إنضم
19 يناير 2008
المشاركات
389
مستوى التفاعل
0
الإقامة
المطالعة والنقاش الجاد
أسرارُ الشدائدِ

أورد المؤرخُ الأديبُ أحمدُ بنُ يوسف الكاتبُ المصريُّ في كتابِهِ المعجبُ الفريدُ (المكافأةُ وحسنُ العُقبى ) فقال : وقدْ علم الإنسانُ أن سُفورَ الحالةِ أي انكشاف الغُمَّةِ والشدَّةِ عن ضدِّه ، حَتْمٌ لابدَّ منه ، كما علم أنَّ انجلاء الليلُ يسفرُ عن النهار ، ولكنَّ خور الطبيعةِ أشدُّ ما يلازمُ النفس عندَ نزولِ الكوارثِ ، فإذا لم تُعالجْ بالدواءِ ، اشتدّتِ العلةُ ، وازدادتِ المحنةُ ، لأن النفس إذا لم تُعَنْ عند الشدائدِ بما يجدّدُ قُواها ، تولَّى عليها اليأسُ فأهلكها .
والتفكُّرُ في أخبارِ هذا البابِ بابِ أخبارِ من ابتلي فصبر ، فكان ثمرةُ صبرِه حسن العقبى ممَّا يُشجِّع النفْس ، ويبعثُها عن ملازمةِ الصبرِ وحسنِ الأدبِ مع الربِّ عزَّ وجلَّ ، بحسنِ الظنِّ في موافاةِ الإحسانِ عند نهايةِ الامتحانِ .
وقال أيضاً في آخر الكتابِ - : « خاتمةٌ : قال بُزُرْجمْهَرُ : الشدائدُ قبل المواهبِ ، تشبهُ الجوع قبل الطعامِ ، يحسُّ بهِ موقُعُهُ ، ويلذُّ معه تناولهُ » .
وقال أفلاطونُ : « الشدائدُ تُصلِحُ من النفسِ بمقدارِ ما تفسدُ من العيشِ ، والتَّترُّف أي الترفُ والترفُّه يفسدُ من النفسِ بمقدارِ ما يصلحُ من العيشِ » .
وقال أيضاً : « حافظ على كلِّ صديقٍ أهدتْه إليك الشدائدُ ، والْه عنْ كلِّ صديقٍ أهدتْه إليك النعمةُ » .
وقال أيضاً : « الترفُّفهُ كالليلِ ، لا تتأملْ فيه ما تصدرُه أو تتناولُه ، والشدة كالنهارِ ، ترى فيها سعيك وسعي غيرِك » .
وقالُ أزدشير : « الشدَّةُ كُحْلٌ ترى به ما لا تراه بالنعمة » .
ويقول أيضاً : « ومِلاكُ مصلحةِ الأمرِ في الشدَّةِ شيئان : أصغرُهما قوةُ قلبِ صاحبِها على ما ينوبُه ، وأعظمُها حُسْنُ تفويضِهِ إلى مالكِهِ ورازقِهِ » .
وإذا صَمَدَ الرجلُ بفكرِهِ نَحْوَ خالقِهِ ، علم أنهُ لمْ يمتحِنْه إلا بما يوجبُ له مثوبةً ، أو يمحِّصُ عنه كبيرةً ، وهو مع هذا من اللهِ في أرباحٍ متصلةٍ ، وفوائد متتابعةٍ .
فأما إذا اشتدَّ فكرُهُ تلقاء الخليقةِ ، كثرتْ رذائلُه ، وزاد تصنُّعه ، وبرِم بمقامِه فيما قصُر عن تأمُّلهِ ، واستطال من المِحنِ ما عسى أن ينقضي في يومِهِ ، وخاف من المكروهِ ما لعلَّه أنْ يخطئهُ .
وإنما تصدقُ المناجاةِ بين الرجلِ وبين ربِّهِ ، لعلمِهِ بما في السرائرِ وتأييدِهِ البصائر ، وهي بين الرجلِ وبين أشباهِهِ كثيرةُ الأذيةِ ، خارجةٌ عن المصلحةِ .
وللهِ تعالى رَوْحٌ يأتي عند اليأسِ منهُ ، يُصيبُ به منْ يشاءُ من خلقِهِ ، وإليهِ الرغبةُ في تقريبِ الفرجِ ، وتسهيلِ الأمرِ ، والرجوعِ إلى أفضلِ ما تطاول إليه السُّؤْلُ ، وهو حسبي ونِعْم الوكيلُ .
طالعتُ كتاب ( الفرجُ بعد الشدةِ ) للتنوخيِّ ، وكرَّرتُ قراءته فخرجتُ منه بثلاثِ فوائدَ :
الأولى : أنَّ الفرج بعد الكربِ سنَّةٌ ماضيةٌ وقضيةٌ مُسلَّمةٌ ، كاليحِ بعد الليلِ ، لا شكَّ فيه ولا ريب .
الثانيةُ : أنَّ المكاره مع الغالبِ أجملُ عائدةً ، وأرفعُ فائدةً للعبدِ في دينِهِ ودنياهُ من المحابِّ .
الثالةُ : أنَّ جالب النفعِ ودافع الضرِّ حقيقةٌ إنما هو الله جلَّ في علاه ، واعلمْ أنّ ما أصابك لم يكنْ لِيخطِئك وما أخطأك لمْ يكنْ ليصيبك .
**************************************
 
اسم الموضوع : أسرارُ الشدائدِ | المصدر : في رحاب القرآن

جواد البحر

مراقب سابق
إنضم
10 مايو 2008
المشاركات
5,088
مستوى التفاعل
0
[align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليس الشديد بالصرعة
وإنما الشديد من يملك نفسه وقت الغضب
يعطيك العافيه خالد أسلم على طرحك
الاكثر من رائع بارك الله فيك

تحياتي جواد البحر
[/align]
 

أبوأسرار

:: عضو متفاعل ::
إنضم
27 أبريل 2008
المشاركات
211
مستوى التفاعل
0
جزاك الله ألف خير ونتمنى منك المزيد وشكرا
 

أبوباسم

مراقب سابق
إنضم
20 مارس 2008
المشاركات
4,809
مستوى التفاعل
0
طرح في قمة الروعة

باركــ الله فيكــ

أخي خالد

ونفع بكــ
 
أعلى