فريد بخيت

كاتب مميز
إنضم
25 أكتوبر 2009
المشاركات
198
مستوى التفاعل
0
الإقامة
قراءة القصص والروايات وتأليفها ، الخط العربي مزاول
..


أدْرك أخيراً .. بأنَّ ما يراهُ حقيقةً ..
حيثُ كانَ يظنُّ بأنَّ الزمن لنْ يأخُذ منهُ أعزَّ ما يملكه ؛ ابنته التي رسمتِ الحياةَ في مقلتيه بألوانِ الصَّفاءِ والرحمة .



( بشْرى ) بالفعل كانتْ تحمل هذا الاسم في قلبه ، وتغْرِسُ فيهِ الحياةِ على حقيقتِها ..
ففي كل لحظةٍ كانَ يخطِفُ نظْرةً تجاهها ..


فما يرى غير الابتسامات تُغرقُها وسْط أمواجِ الفرحةِ والسَّعادة ، فصورةُ وجهِها كانت عنواناً من الحنانِ والأمل ، فقفزتْ طفولَتُها البريئةِ أمامَ ناظريهِ ، حيثُ كانتْ تَشُقُّ الصَّمتَ داخلَ المنزل بتغاريدِ الأشْواقِ الدافئة .

- أهذِهِ بُشْرى يا أمَّ خالد ؟!!
أرادَ أنْ يتأكَّد من زوْجته بأنَّ ما يراهُ حقيقةً لا خيال ، وأنَّ الحياةَ تسارعتْ في خيالها له، وزوجته تمسحُ على يديه وتشْعِره بالطمأنينة ؛ لتُوقِفَ تَسلُّلَ الدَّمْعةَ من بينِ محاجر عينيه وهي تهمِسُ في أذنِه بقايا فتافيتِ الكلمات التي جمعتها من أحرفِ السعادة والحزن ..

- بلى ، يا أبا خالد .. إنها هي .. عروسُ اليوم ..
لم يكن يتوقع تلك الإجابة ، بالرغم من أنه يعلم يقيناً بها ، فقد أرادَ من زوجتِه أنْ توقف كل هذه الأفراح ويعيد له ( بشرى ) .. يعيدُ له الحياةَ مرَّة أخرى .. يعيدُ له صورة البسْمةِ الحقيقية في شفتاها ..


كلُّ ذلك وهو ينظرُ إليها من بينِ ثنايا جفنيْه ، قبل أن يُغلقه ؛ ليسْترجع قليلاً من حياةٍ امتلأتْ بالحبِّ والمودة ..

تصوَّرتِ الحياةُ داخل عينيْه ، فعاد إلى السنين المختبئة بين أحقابِ التاريخ .. إلى ( بشرى ) حيثُ كانتْ طفلةُ الأمسِ تنتظره ؛ ليعود فتلقي عليه البسماتُ المجسَّدة ، وكأنَّها تزيل آثار التعبِ عند عودته من عمله ، فكانتْ كل شيءٍ في المنزل ينطق باسمها ، تصّوَّر أنه سيعيش أبد الدهرِ فتبقى كما هي ، طفلتُه التي يرى فيها هبةُ اللهِ من عنده ، ويرى فيها كرمُ الخالقِ جزاء حسْنه .. لكنَّهُ لم يتصوَّر أبداً بأن يأتي فارسُ أحلامها ليسْتأذنه بأنَّه سيسْرق منه أغلى طفلة ، وأجمل هديةٍ ذاتِ مشاعر ..

ولأولِ مرَّةٍ يوافق على أن يزفَّها لذلك الغريب .. ولأولِ مرَّةٍ يرى أنه يقدِّمها بنفسِهِ إلى ذلك الرَّجُل ؛ لأنَّه رأى بأنه المحافظُ عليها ، والمصونُ لعرضها ..

زفَرَ زفيرَ الذكرياتِ وأخرج باقي الدَّمعة وخبأها داخل منديله الذي حمله بين يده ، لأنه يعلم بأنه سيكون آخر من يراها تلوحُ بيديها إليه ..

قام ( أبو خالد ) وهو يسْتقبل التهاني من المدعوين بمناسبة زفافِ ابنته ، فذهب إليها يحملُ باقي نسماتِ الذكرى بين يديه .. فما إنْ رأتْ والدها يتقدَّمُ نحوها قفزتْ من مكانها ، تقبل يده ورأسه وجبينه ..

فلم يستطع أن يعيد لها غير ابتسامةٍ كانت تُدينُ له ، وها قد أعادها راسماً أملهُ على أنها ستعيشُ حياةً مليئةً بالمحبَّة والألفة ..

غادر واقعه بشريطٍ مَرَّ أمام عيْنيْه ، إلا أنه عاد مرةً أخرى ويلتفتُ بنظرةٍ تجُاه فارسِ أحلامها ، وعريسِ مستقبلها .. مُصافِحاً يده بكل ما أوتي من مشاعر الصِّدق والسَّعادة وقد طبع من قلبه كلماتٍ سطرتها شفتاه ..


بشْرى لك يا بُني..
وهنيئاً لك الحياة ..
فبشْرى هي ابتسامتي التي رأيتُ فيها حقيقةَ الحياة ..
..
 
اسم الموضوع : أهذه بشرى !! | المصدر : أقلام الأعضاء

أيوب قربان

مراقب سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
800
مستوى التفاعل
0
العمر
37
الإقامة
تصميم/ جرافك ، مواقع ، منتديات ،
أشكرك أخي الغالي على هذه الخاطرة الرائعة
فعلا تذوق طعم الحياة الحقيقية عندما نرى
فلذات أكبادنا يرسمون لوحة من البسمة في وجوههم
تعيش لحظاتها أحلى الأوقات وتبقى الأيام ذكريات
فهذه البسمات تشفي كثير من الجروح وتخفف كثير من الآلام
وتنسي الهموم والغموم
ومتاعب الدنيا ومتاهاتها

أسأل الله أن يرزقنا واياك بزوجة صالحة وذرية صالحة.
 
إنضم
29 سبتمبر 2009
المشاركات
121
مستوى التفاعل
0
ksh5h.com4dc5f14f89.gif

 

جواد البحر

مراقب سابق
إنضم
10 مايو 2008
المشاركات
5,088
مستوى التفاعل
0
we3rb-64f734067d.gif

سبحان الله هكذا الحياة
بالأمس كانت طفلة واليوم عروس
فعلاً هي بشرى وكل أب يتمنى هذه البشرى
أبدعت في سطر الكلمات
كل الشكر والتقدير للأستاذ/ فريد بخيت

we3rb-d71f13db10.gif
 

جواد البحر

مراقب سابق
إنضم
10 مايو 2008
المشاركات
5,088
مستوى التفاعل
0
we3rb-64f734067d.gif

سبحان الله هكذا الحياة
بالأمس كانت طفلة واليوم عروس
فعلاً هي بشرى وكل أب يتمنى هذه البشرى
أبدعت في سطر الكلمات
كل الشكر والتقدير للأستاذ/ فريد بخيت

we3rb-d71f13db10.gif
 

فريد بخيت

كاتب مميز
إنضم
25 أكتوبر 2009
المشاركات
198
مستوى التفاعل
0
الإقامة
قراءة القصص والروايات وتأليفها ، الخط العربي مزاول
الإخوة الكرام

أيوب قربان
أبو حيَّـان
الرَّحَّــال
جواد البحر
مضتْ أقلامُكم البهيَّة ، مشْرعةً في تواجدكم وطلاتكم المبهجة ، وقد سطرتم أحلى مشاعرِ الأيام ، وأجمل قراءات الثقافة والنقد الرائع .
وهذه بشرى تاريخٌ من ذكرياتٍ تكونُ حاضرة أمامنا ، فتمضي وتختفي داخل سنين وأيامٍ جميلة .
أشكرك لكم هذا الحضور وهذا التواجد
ودمتم في رعاية الله .
 

أبوباسم

مراقب سابق
إنضم
20 مارس 2008
المشاركات
4,809
مستوى التفاعل
0
وتلك هي سنة الله في أرضه
فلابد أن ترحل بشرى وتبني أسرة جديدة وتبقى ذكرياتها الجميلة في مخيلة والديها

أخي فريد بخيت،،،اسمح لي أن أبدي اعجابي بقلمك الرائع
تحياتي لك
 

فريد بخيت

كاتب مميز
إنضم
25 أكتوبر 2009
المشاركات
198
مستوى التفاعل
0
الإقامة
قراءة القصص والروايات وتأليفها ، الخط العربي مزاول
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوباسم
وتلك هي سنة الله في أرضه

فلابد أن ترحل بشرى وتبني أسرة جديدة وتبقى ذكرياتها الجميلة في مخيلة والديها




بالتأكيد يا أبا باسم ؛ فإنها سنَّةُ الحياة ، والتي سنها الله سبحانه وتعالى على خلقه ، والحياةُ ماضية في طريقها ، نرى فيها أنفسنا صغاراً بأعينِ الأبناء ، وبعدها نرى أنفسنا كباراً في أعين الكبار .

جميلٌ ما سطرته من مقولةٍ حول هذه الحياة ، ليستمر التاريخ من جديد يبني الأجيال داخل الأيام .
دمتَ في مودَّةٍ وصحة .
 
أعلى