بريق الأمل

مراقب قسم القران واهله
إنضم
8 نوفمبر 2009
المشاركات
598
مستوى التفاعل
0
( خدمة الحاج شرف لنا )
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فمنذ أن أمر الله تعالى خليله ببناء البيت وتطهيره للحجاج والزوار كما في قوله تعالى : ] وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ [.

منذ ذلك الحين وإلى يومنا الحاضر والبيت الحرام مهوى أفئدة المؤمنين ، ومكان توحيد رب العالمين ، وما الفترات التي عمت فيها الجاهلية أرجاء الأرض حتى كان الشرك في البيت الحرام إلا مدة مؤقتة ليعود التوحيد من جديد ويطهر البيت من رجس الأصنام على يد خاتم النبيين وإمام المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان مولده في مكة ومبعثه منها ثم هاجر إلى المدينة ثم عاد إلى مكة ليطهرها من رجس الأوثان وليعلن التوحيد لله رب العالمين حينما فتح مكة وكسر الأوثان وهو يتلو قول الحق سبحانه : ] وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [

وظلت مكة قرونا يفد إليها الحجاج والعمار والزوار والعلماء وطلاب العلم والصالحون من كل مكان من أرجاء المعمورة ، تحيط بهم المخاوف وتحف بهم المكاره ، ويكثر الخوف ، ويقل الأمن في حقب كثيرة من الزمن مرَّ به البيت الحرام وما يحيط به من بلدان .

ولما سهل الله تعالى للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ فتح الرياض وما جاورها من بلدان نجد،كان الهاجس المسيطر عليه بعد ذلك تأمين السبيل للحجاج ، والقضاء على عصابات قطع الطرق الذين يُروعون الآمنين ويسلبون حجاج بيت الله الحرام ،وكانت الرغبة ملحة لدى الملك عبد العزيز في التشرف بعمارة بيته و خدمته و حمايته ، والقضاء على البدع والخرافات المنتشرة في أرجاء الجزيرة العربية ، وخدمة الحجاج والعمّار والزوار ولما كان عام 1343هـ حاصر رحمه الله تعالى بجنوده جدة تمهيدا لضم مكة لمملكته وتحت سلطانه ، ثم انسحب منها، ثم بعد الحج تم له ضم مكة إلى سلطانه ثم الحجاز كلها . فأمن السبيل ، وقضى على عصابات الطريق ، وأقام حكم الله تعالى فيمن تسول له نفسه أذية الحجاج ، وصرف همه وجهده ، وسخر نفسه ودولته و رجاله لخدمة ضيوف الرحمن ، وعمارة المشاعر المقدسة ، وتهيئة وتوفير كل ما يساعد على راحة وأمن الحجاج ، ولم يكن اهتمامه رحمه الله تعالى منحصرا على توفير الخدمات المحسوسة من مياه للشرب في كل المشاعر المقدسة وطعام ورعاية صحية ، ومواصلات وخيام وغيرها فحسب ، بل اهتم حتى بالنواحي المعنوية التي

تصلح القلوب من تمكين العلماء و المشايخ و طلاب العلم لأداء رسالتهم وتعليم الحجاج مناسكهم وتنبيههم إلى الأخطاء التي قد يقعون فيها ، وإفتاء من يحتاج الفتوى منهم .

فكان هذا التكامل المادي والمعنوي خير معين بعد توفيق الله تعالى للحجاج على إكمال حجهم على الوجه المشروع الموافق لأمر الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ولقد أدرك ولاة الأمر في بلادنا المباركة ـ وفقهم الله لكل خير ـ أهمية الديار المقدسة وشرف خدمة أهلها وزوارها ، وما للحج من منافع متعددة في جمع كلمة المسلمين ، ولم شتاتهم ، والقضاء على فرقتهم ، وظهورهم أمام أعدائهم بمظهر الأمة الواحدة التي لا يفت في عضدها ، حرصوا كل الحرص على أن يكون لهم شرف خدمة بيت الله الحرام وزواره الكرام ، حتى كثر توافد الحجاج إلى البيت الحرام و كل عام و هم بازدياد و لله الحمد و المنة يفدون من كل فج عميق ليشدوا منافع لهم .

حتى أنه يجتمع في موسم الحج أكثر من مليوني حاج من كل جنس ولون ولغة ، يجتمعون على صعيد عرفة لباسهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، وشعارهم واحد ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) وهم يشاهدون أن الخدمات التي تقدم للحجاج تتحسن عاما بعد عام ، والمشاريع العملاقة تزداد كل سنة ، حتى صار الحاج يؤدي نسكه بكل يسر و سهوله .

وإن لضيوف الله علينا حقوقاً عظيمة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على تأديتها بكل صدق و أمانة، فنحن في هذه البلاد قد شرفنا الله بخدمة بيته الحرام ومسجد نبيه الكريم وأنعم علينا بنعمة الأمن والأمان وأفاض علينا من نعمه الظاهرة والباطنة مما يضاعف من مسئولياتنا لخدمة ضيوفه ووفود بيته . فأصبح لزاماً علينا الوفاء بهذه الحقوق التي شرفنا الله بها ، و هذا الأمر لا يتعلق بولاتنا فقط بل كل منا مسؤول تجاه هؤلاء الحجاج أياً كان منصبه أو موقعه أو تخصصه .

ولهذا فإن المسؤليات كبيرة ومتعددة ولهم علينا حقوق وواجبات سواء ما كان منها على مستوى الدولة التي لم تدخر جهداً في تقديم وتسهيل ما يحتاجه الحجاج من كافة الوجوه أو ما كان على مستوى المواطن عموماً ، لذا فإنه يتعين علينا العناية التامة بهؤلاء الحجاج والإحسان إليهم والرفق بهم ومساعدتهم على أداء مناسكهم في يسر واطمئنان وأن نعاملهم بمقتضى الإخوة الإسلامية التي قال الله فيها : ] إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [ ويقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " . وأن نستقبلهم كأعز ضيوف وأكرم وفود كيف لا وهم ضيوف الرحمن ووفوده . فيجب علينا أن نساهم في خدمتهم والسهر على راحتهم ومساعدتهم وإرشادهم وتقديم النصح لهم بصدور رحبة ووجوه طلِقة حتى يشعروا أنهم بين أهليهم وذويهم و في وطنهم الثاني فتتوثق أواصر المحبة وتتعمق الروابط وتزداد الصلات وتتألف القلوب فتتحد كلمة المسلمين وتقوى شوكتهم .

وإن الناضر لموسم الحج يجد أن دولتنا تجند كل طاقاتها و إمكاناتها ورجالها في خدمة ضيوف الرحمن و يتوافد اعداد كبيرة من موظفي الدولة لخدمة الحجاج و ثمة وقفات و توجيهات أقدمها لكل مواطن أو مقيم يشرفه الله بخدمة الحجاج فمنها :

أولاً :إكرام و فود الرحمن فأطعم ـ وفقك الله ـ الجائع ،و اسق العطشان ، و دل التائه ، و أعن ذا الحاجة ،ففي الحديث القدسي ( إن الله عز و جل يقول للعبد يوم القيامة يا عبدي جعت فلم تطعمني ، فيقول العبد و كيف اطعمك و أنت الله رب العالمين ؟ فيقول له: لقد استطعمك عبدي فلان بن فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا عبدي استسقيتك فلم تسقني فيقول العبد: فكيف أسقيك و أنت الله رب العالمين ؟ فيقول استسقاك عبدي فلان بن فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي .. .) رواه مسلم . فاحرص على إكرام الحجاج و احتسب الأجر من الله تعالى ، وإذا كان أهل الجاهلية الأولى يتفاخرون بإكرام الحجاج و خدمتهم و سقايتهم فنحن من باب أولى أن نعتني بذلك و أن نتسابق لخدمة الحجاج لنفوز بالأجر من الكريم الوهاب .

ثانياً : أظهر الفرح بهم و البشاشة في وجوههم فابتسامتك في و جه أخيك صدقة ، و اعلم أن الابتسامة هي رسول المحبة المتبادلة بين المسلمين ، فلا تخفها خصوصاً عن ضيوف الرحمن ، و إن البسمة في وجه الحاج لتنسيه أثر التعب و الغربة و الشوق للأهل و الأولاد .

ثالثاً : اصبر واحتسب : لأن أعمال الحج بحد ذاتها تحتاج إلى صبر ، وهذه الوفود الغفيرة الكثيرة التي تأتي إلى الديار المقدسة لأداء المناسك ، مختلفة الثقافات والتفكير غرباء على البلد بل بعضهم ربما لأول مرة تطأ أقدامهم هذه الديار المقدسة ، ولذا أنصح إخواني العاملين في الحج ، أن يتحلوا بالصبر الذي أمرنا الله به فقال ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا ) و ابشر بالأجر الوفير أيها الصابر فـ(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وعليهم أن يتحلوا بالحلم والأناءة ،فالرفق ما كان في شيء إلا زانه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الرفق في الأمور كلها ، وأن يأخذوا إخوانهم الحجاج بالرفق والحلم ، وأن يكون لديهم عطف ورحمة بهم ، لأنهم ربما لأول مرة يشاهدون مثل هذا الإزدحام الشديد ، ولأول مرة يجد الواحد منهم أنه ربما يريد شيئاً فلا يتيسر له بيسر وسهولة، فربما ضل الطريق أو وقع في محظور من محظورات الإحرام ، فكل هذه الأمور تجعل الحجاج محتاجين إلى الرفق وإلى العطف وإلى الإرشاد بسعة صدر ، والله سبحانه وتعالى أمرنا أن نتعاون على البر والتقوى ، وعلى الخير ، وننصح لإخواننا المسلمين كما قال تعالى : ]إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[وقال جل وعلا : ]وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[

رابعاً : أن نعلم أن معاملة الحجاج المعاملة الحسنة واجب علينا ، وأن تكون معاملتنا تتسم بالرحمة والإحسان والشفقة ، و أن نعطي للناس كلهم الصورة الحسنة عن هذه البلاد الطاهرة و اهلها الطيبين ، خصوصاً في هذا الزمان الذي رميت بها بلادنا بما يسمى بالإرهاب و التطرف، و شوهت الصورة و طمست الحقائق و الله المستعان ، و علينا أن نعمل هذا الأمر لأن هؤلاء إخواننا المسلمين أولاً ، وثانياً أنهم جاؤا لأداء هذا النسك العظيم ، وهذا الركن الركين من أركان الإسلام ، و ثالثاً أنهم غرباء ، ورابعاً أن المسافر يحتاج إلى أمور كثيرة قد تعود عليها في بلده وكانت بين يديه والآن قد تكون بعيدة عنه ، لذا فهو بحاجة إلى أن نقوم بالواجب الذي أسند إلينا في مجال العمل الرسمي خصوصاً و العمل التطوعي عموماً .

خامساً : أن نكون قدوة حسنة لهؤلاء الحجاج في كل شيئ ومنها الأخلاق الحسنة فإنها سمة المسلم و صفة الحاج الذي جاء يرجوا ما عند الله تعالى ، و منها الاهتمام بالمرافق العامة و احترام بقية الحجاج و اظهار الإيثار لهم ، و منها عدم مضايقتهم في أي شيء، وهذا الأمر كان من هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فما من خير حث الأمة عليه إلا كان من السابقين إليه عليه الصلاة و السلام .

سادساً: أن الثواب الذي يعطاه الإنسان الذي يعمل في خدمة الحجاج ، ليس هو المرتب الشهري أو المكافأة التي يأخذها إذا جاء للعمل في الحج . وإنما المكافأة والأجر هو عند الله عز وجل ، وما يأخذ الإنسان من مال أو مكافأة أو مرتب فإنما هو مقابل الوقت الذي حبس نفسه عليه ، وأما إذا اجتهد قياماً منه بهذه المسئولية العظيمة فثوابه عند الله سبحانه وتعالى عظيماً و كثيراً .

سابعاً :لنحرص جميعاً على دعوة الحجاج و هدايتهم فهم بأمس الحاجة الى دعوتهم الى التوحيد الخالص و إلى عقيدة أهل السنة و الجماعة و إن من يفد من الحجاج في غالبهم من يحمل بدعاً و خرافات و اعتقادات فاسدة فهي فرصة للجميع بدعوتهم نحو الخير و الله تعالى يقول ( و من أحسن قولاً ممن دعا الى الله و عمل صالحاً و قال إنني من المسلمين ) ففرصتك أيها الداعية ، يوم أن جاءك الحاج بنفسه طائعاً محباً مختاراً فقدم له الدعوة الصافية النقية التي جاء بها رسولنا صلى الله عليه و سلم و إذا كانت الدعوة تكلفك الكثير بالذهاب للمسلمين في بلادهم فها هم قد أتوا إليك فهل استفدت منهم و أفدتهم ؟

ثامناً: أننا إذا اجتهدنا وأدينا العمل مع حجاج بيت الله الحرام فإن الواجب علينا أن نعطي صورة جميلة عما تقوم به الدولة من جهود وأعمال ، وما تنظم وما تبذل ، فإذا اجتهدنا فإننا نعطي وجهاً حسناً وصورة جميلة عن ديننا و عقيدتنا ، وعن دولتنا ، وعن بلدنا ، وعن ما أسند إلينا من أعمال ، وإذا قصرنا وتكاسلنا ولم نؤد العمل على الوجه الأكمل فإن هذا يعطي صورة سيئة .

تاسعاً: أن على حجاج بيت الله الحرام أن يدركوا ضخامة العمل ، وعظم المسئولية والعمل الذي يقوم به المسؤلون ، عن حجمه ودقته ، وعن الحرج الشديد الذي يحصل لأن الحجاج يجتمعون في مكان واحد فمثلاً قبل الحج تجدهم يجتمعون في المسجد الحرام و المسجد النبوي والطواف والسعي وكلهم يزدحمون حول هذه الكعبة المشرفة فنجد أن الجهد الكبير ربما لا يرى وأن الإنسان أيام الازدحام يجد نفسه في غمرة هذا الزحام فلا بد أن يراعي الحجاج هذا الأمر، كذلك التحرك الذي يكون للحجاج في آن واحد من التوجه إلى منى ، والتوجه إلى عرفة ، والعودة من عرفة إلى مزدلفة ، والنفرة من مزدلفة إلى منى ، ورمي الجمار ، وطواف الإفاضة ، والوداع ، معظم هذه الأعمال تتم في آن واحد ، لهذا كان فيها من المشقة ومن الحساسية الشيء الكثير لكن إذا اتسم المسئول والعاملون في الحج بالصبر والأناة والحلم و التفاني و الإخلاص ، وتعاون الحجاج مع المسئولين ، واستجابوا للتوجيهات والإرشادات ، واتبعوا التعليمات ، فإنه بإذن الله سيكون كل شيء سهلاً وميسراً .

عاشراً: أننا معشر المسلمين نحتسب العمل الذي نقوم به ، وأن يكون بعيداً عن الأنانية ، وأن لايكون الإنسان همه نفسه فقط ولو ضرَّ الآخرين ، فيهتم بنفسه وأيضاً يعنى بما للمسلمين عليه من حق وواجب ، فلا يتسبب في أذية إخوانه الحجاج بقول أو فعل وقد قال صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) فليكن هذا شعارك البارز في الحج .

ختاماً : أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجزي ولاة أمورنا كل خير على ما يقدمون و يبذلون لراحة الحجاج و أمنهم وسلامتهم فاللهم يسر للحجاج حجهم و تقبل منهم يا رب العالمين ، اللهم و اجزي كل خير لكل من يقدم نفعاً لإخوانه الحجاج ، تقبل الله من الجميع أعمالهم و جعل حجهم مبروراً و سعيهم مشكوراً و ذنبهم مغفوراً ، وصلى الله و سلم على نبينا محمد و على آه وصحبه أجمعين .


و كتبه / حمد بن إبراهيم الحريقي

الداعية بفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة القصيم
 
أعلى