ابويعقوب الحسيني

:: عضو متفاعل ::
إنضم
17 يناير 2011
المشاركات
442
مستوى التفاعل
0
الإقامة
اسعاد الناس

98653552.png




51484215.png


الأخلاق الحميدة... عماد الأمم ومن دونها فالنّاس مثل السوائم،
يصبح القوي هو الحاكم، ويعيش البشر بلا سلام، وتصير الدنيا
كالحطام، فلا أسس ولا قوام، بل ستنتشر الرّذائل والآلام، ويبرز
برعم الخصام، فالطمع والحقد يحطم الأنام، فهذا ما يستوجب
على الغافل أن يستيقظ ويترك المنام.
فالرّجل الحقيقي، مطمئن القلب، قرير العين، هادئ النّفس،
هو الرّجل ذو الأخلاق الفاضلة.



75112735.png


مثل صاحبنا في هذه القصّة، فقد كان رجلا فقيرا معدما له أبناء كثر،
لكنه وليد لما تفرزه الحياة من خصال حميدة،
وأفكار سديدة، ودروب رشيدة.
وسأحكي لكم هذه المرة موقفا حدث معه غير مجرى حياته،
ففي إحدى أيامه الشّاقة وبينما كان يمشي منكبّا على وجهه،
يسير وليست له وجهة معيّنة، ينتقل من مكان إلى آخر بحثا عن لقمة العيش،
في طريق خاليّة من المّارة، رأى حادثا مروعا، فقد انقلبت سيارة أمام عينيه.
جرى نحوها محاولا أن يسعف صاحبها، لكن صاحب هذه السيارة لم يصب بأذى.
حمد الله على سلامته وبعد هنيهة سمع الرجل يناديه ويطلب رجفة ماء.
أسرع الرجل الفقير إلى محطة نفط قريبة وجلب له ما طلب.
نظر إليه صاحب السيارة وأخرج من جيبه ظرفا وقدمه له وضعه الرجل الفقير في جيبه واشربه الماء
وما هي إلا لحظات حتى ألقى صاحب السيارة الشهادة "لا إله إلا الله"
وفاضت روحه، بقي الرجل مندهشا، الخوف يقطعه، وهو واقف بلا حراك.
هرع عمّال المحطة إليهم، غطّى أحدهم وجهه بمنديل،
واتصل آخر بسيارة الإسعاف، فوصلت سريعا بجانبها سيّارة الشرطة.
ذُهب بالرجل الفقير إلى المغفر ليدليَّ بشهادته ثم انصرف،
وعاد إلى بيته مضطربا، دخل باب منزله إذ كان صوب أنظار أهل
بيته ولسان حالهم يقول هل أحضرت لنا ما نأكله؟
جلس على الأريكة من دون أن يتلفظ بكلمة واحدة،
مدد رجليه، أغمض عينيه، تذكر الحادث، تذكر الرّجل.
آه فالموت لا يردع، فقد كان صاحب السيّارة في مقتبل العمر،
نعم كان شابا لم يتجاوز الثلاثين يده اليسرى مبتورة،
على وجهه علامات الغنى، فهو يملك سيارة باهضة الثمن،
قلّ ما نجد أحدا يملكها، لكن الموت جاء وهو لا ينتظر.
تقدمت زوجة الرجل الفقير إليه، أهوت لتنزع سترته،
فتذكر ما قدمه له ذاك الشّاب، فأخرج تلك الرّسالة مسرعا،
فإذا فيها اسم شخص لا يعرفه وبجانبه عنوان ومكتوب تحتها
"من فلان ابن فلان إلى فلان بن فلان، قد حان ما كنت أرتقبه طوال عمري فنفد وصيتي" .
لم يهتم الرجل بتلك الرّسالة، ووضعها بعلبة على الخزانة.
مضت سنة على الحادثة،
وفي إحدى الأيام فتحت زوجته تلك الرّسالة وقرأتها،
ولما عاد زوجها قالت له أن هذه الرّسالة أمانة ويجب أن يوصلها إلى أصحابها.
في الصباح الباكر، انطلق الرجل باحثا عن مكان العنوان فوجده،
وبحث عن صاحب العنوان فأشير عليه أنّه يجلس يوميّا بعد الزّوال
في ناحيّة من مسجد ذاك الحيّ.
ذهب الرجل إلى المسجد المقصود، وصلّى فيه الظهر،
وبعد الصلاة قلب ناظره في من بقي بالمسجد،
فلم يرى إلاّ الإمام، ومأموما مطأطأ الرأس. توجه نحوه وألقى عليه السّلام،
فردّ عليه والابتسامة تعلو وجهه، فبادر إليه سائلا إذا كان هو فلان بن فلان،
فأجابه بأنّه هو. ففرح الرجل الفقير كثيرا وأخبره بأنّ لديه أمانة له،
وسلمه الرّسالة. طلب منه ذلك الرّجل أن يعطيه رقم هاتفه أو عنوان بيته،
فأستغرب وتساءل عن السبب، فردّ عليه أنّه يريد مقابلته ثانية، فأعطاه إيّاه.
بعد أيّام وبينما الرجل الفقير جالس برفقة زوجته وعياله،
إذ بطارق يطرق بابه، فتح للزائر فإذا هو الرجل الذي أعطاه عنوانه،
رحب به ودعاه للدخول.اتجه إلى زوجته وأخبرها بقدوم ضيف،
وطلب منها إكرامه لكنها أعلمته أنه لا يوجد شيء تكرم به ضيفهم،
بقيا هنيهة حائرين وبعدها خطرت في بال الزوجة أن تذهب
وتطلب المساعدة من جارتها،
رجع الرجل إلى ضيفه ولم يشعر إلاّ بوصول طبق الحساء إليهم،
حمد الله على هذا وعزم ضيفه على الطعام.
وبعد دقائق سمع صوت ابنه الصغير يبكي ويقول لأمّه بأنّه جائع كثيرا.
علم الرجل الفقير أنّ زوجته قدمت كل ما جلبته، وآثرت إكرام الضيف على أبنائها.
وفي لحظة كلمه ضيفه وأعلمه أنّ تلك الرّسالة كانت موجهة له،
فاحتار الرجل فكيف تكون موجهة إليه وهو لم يقابل صاحب
السيّارة إلا يوم الحادث،
فقطع الضيف حيرته وقصّ عليه قصة تلك الرّسالة،
حيث قال بأنه في إحدى المرات
وبينما هو مع صديقه في طريق غير مأهولة قريبة من الغابة تعطلت بهم السيّارة،
أكملوا الطريق مشيا في درب الغابة باحثين عن أي مسكن هناك،
لأن الوقت كان قد تأخر، ومالت الشمس نحو المغيب،
أظلم الليل عليهم ومازالوا يمشون وفجأة سمعوا عواء الذئاب.
فقرروا العودة إلى السيارة، وبينما هم في طريق العودة،
وأوشكوا على وصول السيارة،
ظهر لهم ذئب، كشر عن أنيابه، ووثب على صديقه، فجرح من يده اليسرى.
دخلوا السيّارة مسرعين،وأصيب صديقه بحمى شديدة، وبعد أن طلع النّهار مرت سيارة بذاك الطريق،
فساعدتهم للوصول إلى المستشفى. وبعد ما تنازل صديقه للشفاء حدثه أنّ موتهم كان وشيكا،
ولذلك فقد قرر أن يكتب قصاصة من الورق، حيثما أدركه الشعور بقروب الأجل قدمها إلى أيّ شخص وجده أمامه،
وذلك لكي يوصي بجزء من ثروته كصدقة جاريّة.
استغرب الرجل الفقير وبقي مندهشا، فابتسم ضيفه ثم طأطأ رأسه وخاطبه قائلا أنّه بأمس حاجة لهذا المال.
لكن كرامة وعزة نفس الرجل الفقير جعلته يقول أن ينظره إلى من هو أفقر منه،
ورفض أن يأخذ هذه الصدقة، انصرف الضيف وهو خائب لأنه لم يستطع تنفيذ وصية صديقه،
وبعد أيّام من هذا اللقاء، أتى إليه مجددا وأخبره أن هناك فرصة عمل شاغرة في شركته إذا كان يرغب بالعمل،
وافق الرجل الفقير فطالما بحث عن عمل شريف، فالآن يستطيع كسب قوت يومه بعد أن كان معدما.
فقصة هذا الرّجل تؤكد أنّ السيّر على منهج الخير والأخلاق الحسنة هو أساس التّوفيق،
فآفاقه تشع بالبريق، ما دام المرء يسير في درب يتوكل فيه على الله سبحانه،
يأتمر لأوامره وينتهي عن نواهيه ، فصدق قوله تعالى:
" ومن يثق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب
ومن يتوكل على الله فهو حسبه إنّ الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا"



55377029.png


1-حفظ الأمانة،والترفع عن الخيانة،وما أروعها من صفة تبعد الإهانة،
وتدل على الشّهامة، فمن تحلى بها ما ندم بعدها، وهذا ما كان يتمتع به بطل قصتنا"
وذلك عندما أخد الرسالة إلى صاحبها، فخلق الأمانة خلق للرسول صلى الله عليه وسلم ألا وإنّ صفته الصادق الأمين
وقد قال عن الأمانة عليه الصلاة وأزكى السلام: " أدّ الأمانة إلى من ائتمنك"

2-خلق الحياء، خلق شامخ في السّماء، يبعد المرء عن البلاء، ولا يجلب الأعداء،
فقد برز هذا الخلق العظيم في قصتنا في صديق الثري صاحب السيّارة،
فقد كان انسانا خجولا متواضعا مع شخص فقير.

3- ما أجمل عبارة " الصديق وقت الضيق"، عبارة لها معاني بلا تضييق، بعيدة عن القسوة والتفريق،
فقصتنا تؤكد أنّ الصداقة كنز، وقد ورد هذا عند صاحب السيارة وصديقه، فقد كان يثق به وأعطاه وصيته،
ومن الناحية الأخرى لم ينسى الصديق صديقه حتى بعد وفاته.

4-الوفاء بالعهد، وما أجمله من خلق، يترك المرء مرتاحا متيمنا، مطمئن القلب متيقنا،
أن وعد الحر سيكتمل مهما طال الزمن، وقد برز هذا في خلق الرّجل الطيب صديق صاحب السيّارة في محاولته
أن يفي بالوعد الذي قطعه على نفسه.

5-الإيثار صفة للكرماء والأخيار، تميزت به زوجة بطلنا، فقد آثرت إكرام ضيف زوجها،
على أن تطعم أبناءها.

6-الصبر..، الصبر مفتاح الفرج، يترك النفس عفيفة ويبعدها عن الحرج، بطل قصتنا،
الرجل الشهم تحمل كل الشدائد تحمل فقره، وثابر لأجل أن يكسب ماله بعرق جبينه.

7-صفة الكرم الدّالة على الشموخ ، لا نقدر وصفها مهما وضعنا من عبارات الثناء،
خلق وضاء، بروزه في قصتنا عند زوجة الرجل الفقير التي بذلت كل ما بوسعها لتكرم ضيف زوجها.



35329326.png


مجمل القول من هذه القصة أن أساس التوفيق والنّجاح هو الإقتداء بأخلاق الرّسول صلى الله عليه وسلم،
فهو الصادق الأمين، الصابر الحليم، الطيب الكريم، فمن اتقى الله وجعل درب الإسلام طريقا،
كان الله بعونه. فالأخلاق الفاضلة التي يشتملها القلب وترنو إليها النّفس، تجعل المرء يعيش سعيد،
فمهما احتدم صراع النفس الشريرة والخيرة فسيكون الفلاح من نصيب الخير أبدا،
رفض العبودية للمال، وضرورة جعل الجوانب الروحيّة والإنسانية أساس الحياة هي المبتغى



53670870.png



حررت في يوم الأحد الموافق: 30 / شعبان / 1432هـ

fasla.gif







 

دلوعة مكة

مراقبة قسم الوناسة والترويح
إنضم
21 أبريل 2010
المشاركات
1,528
مستوى التفاعل
0
الإقامة
الشعــر والخواطر
أبو يعقوب
نقشت لنا قصة من اجمل القصص


استمتعت كثيراً بقراءة طرحك الجميل

أتمنى لك التوفيق
 

المسافر

:: عضو جديد ::
إنضم
1 أغسطس 2011
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
قصة معبرة بارك الله فيك

أتمنى لك التوفيق
 
أعلى