يوسف مكاوي

:: عضو نشيط ::
إنضم
22 فبراير 2008
المشاركات
827
مستوى التفاعل
0
الإقامة
الإنترنت
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام
لابن دقيق العيد

باب حد السرقة

355 - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ } - وَفِي لَفْظٍ : { ثَمَنُهُ - ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ } .

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي النِّصَابِ فِي السَّرِقَةِ ، أَصْلًا وَقَدْرًا ، أَمَّا الْأَصْلُ : فَجُمْهُورُهُمْ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ ، وَشَذَّ الظَّاهِرِيَّةُ فَلَمْ يَعْتَبِرُوهُ ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَقَالُوا بِالْقَطْعِ فِيهِمَا ، وَنُقِلَ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ . وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ ضَعِيفٌ ، فَإِنَّهُ حِكَايَةُ فِعْلٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَطْعِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ فِعْلًا - عَدَمُ الْقَطْعِ فِيمَا دُونَهُ نُطْقًا . وَأَمَّا الْمِقْدَارُ : فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى أَنَّ النِّصَابَ رُبْعُ دِينَارٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي يُقَوَّمُ مَا عَدَا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : إنَّ النِّصَابَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، وَيُقَوَّمُ مَا عَدَا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ ، وَمَالِكٌ يَرَى : أَنَّ النِّصَابَ رُبْعُ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ ، أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ، وَكِلَاهُمَا أَصْلٌ ، وَيُقَوَّمُ مَا عَدَاهُمَا بِالدِّرْهَمِ . وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ : فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَأَنَّ الدِّينَارَ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَرُبْعَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ، أَعْنِي صَرْفَهُ ، وَلِهَذَا قُوِّمَتْ الدِّيَةُ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ الْوَرِقِ ، وَأَلْفِ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْفِضَّةَ أَصْلٌ فِي التَّقْوِيمِ فَإِنَّ الْمَسْرُوقَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَقُوِّمَ بِالْفِضَّةِ دُونَ الذَّهَبِ : دَلَّ عَلَى أَنَّهَا أَصْلٌ فِي التَّقْوِيمِ وَإِلَّا كَانَ الرُّجُوعُ إلَى الذَّهَبِ - الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ - أَوْلَى وَأَوْجَبَ ، عِنْدَ مَنْ يَرَى التَّقْوِيمَ بِهِ . وَالْحَنَفِيَّةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيمَنْ رَوَى فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ " الْقَطْعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا " يَقُولُونَ - أَوْ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ - فِي التَّأْوِيلِ مَا مَعْنَاهُ : إنَّ التَّقْوِيمَ أَمْرٌ ظَنِّيٌّ تَخْمِينِيٌّ ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ عِنْدَ عَائِشَةَ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ، وَيَكُونَ عِنْدَ غَيْرِهَا أَكْثَرَ . وَقَدْ ضَعَّفَ غَيْرُهُمْ هَذَا التَّأْوِيلَ وَشَنَّعَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا مَعْنَاهُ : إنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَكُنْ لِتُخْبِرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مِقْدَارِ مَا يُقْطَعُ فِيهِ ، إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ ، لِعِظَمِ أَمْرِ الْقَطْعِ . وَ " الْمِجَنُّ " بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ : التُّرْسُ ، مِفْعَلٌ مِنْ مَعْنَى الِاجْتِنَانِ وَهُوَ الِاسْتِتَارُ وَالِاخْتِفَاءُ ، وَمَا يُقَارِبُ ذَلِكَ ، وَمِنْهُ " الْجِنُّ " ، وَكُسِرَتْ مِيمُهُ ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ فِي الِاجْتِنَانِ ، كَأَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَتِرُ بِهِ عَمَّا يُحَاذِرُهُ . قَالَ الشَّاعِرُ : فَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَا كُنْتُ أَتَّقِي ثَلَاثَ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ وَالْقِيمَةُ وَالثَّمَنُ : مُخْتَلِفَانِ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ ، وَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ ذِكْرِ " الثَّمَنِ " فَلَعَلَّهُ لِتَسَاوِيهِمَا عِنْدَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، أَوْ فِي ظَنِّ الرَّاوِي أَوْ بِاعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ ، وَإِلَّا فَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ وَالثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مَالِكُهُ لَمْ تُعْتَبَرْ إلَّا الْقِيمَةُ .

356 - الْحَدِيثُ الثَّانِي : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا . }

هَذَا الْحَدِيثُ اعْتِمَادُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مِقْدَارِ النِّصَابِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلًا وَقَوْلًا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ قَوْلٌ وَهُوَ أَقْوَى فِي الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَطْعِ فِي مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ - اتَّفَقَ أَنَّ السَّارِقَ الَّذِي قُطِعَ سَرَقَهُ - أَنْ لَا يُقْطَعَ مَنْ سَرَقَ مَا دُونَهُ . وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ فِي الْقَطْعِ : فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا زَادَ عَلَيْهِ فِي إبَاحَةِ الْقَطْعِ ، فَإِنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْقَطْعُ فِيمَا دُونَهُ ، وَأَيْضًا : فَرِوَايَةُ الْفِعْلِ يَدْخُلُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْمُسْتَضْعَفِ فِي أَنَّ التَّقْوِيمَ أَمْرٌ ظَنِّيٌّ إلَى آخِرِهِ . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَوِيٌّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صَرِيحُهُ الْقَطْعَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ الَّذِي لَا يَقُولُونَ بِجَوَازِ الْقَطْعِ بِهِ . وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى الظَّاهِرِ فَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ النُّطْقُ ، بَلْ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ الْعَدَدِ ، وَمَرْتَبَتُهُ أَقْوَى مِنْ مَرْتَبَةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ .
[/align]



مع التحيات / يوسف غياث
 
اسم الموضوع : كتاب السرقة. | المصدر : الإسلام منهاج حياة

طاب الخاطر

:: عضو نشيط ::
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
980
مستوى التفاعل
0
[align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الحبيب يوسف
حقيقة كانت بدايتك موفقه و جهد قيم
أسأل الله ان يوفقك لكل خير وان يرفع قدرك ويكتب أجرك ويعظم لك المثوبة
تقبل مروري المتواضع
مع فائق الود والإحترام لك .
[/align]
 

يوسف مكاوي

:: عضو نشيط ::
إنضم
22 فبراير 2008
المشاركات
827
مستوى التفاعل
0
الإقامة
الإنترنت
[align=center]وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته



مشكووووور على مرورك يا أخي الحبيب أبومجاهد[/align]
 

جواد البحر

مراقب سابق
إنضم
10 مايو 2008
المشاركات
5,088
مستوى التفاعل
0


تسلم على موضوعك القيم

الله يعطيك العافية [fot1]يوسف مكاوي [/fot1]على الطرح الرائع

تحياتي جواد البحر
cVu18939.gif

 
أعلى