مريض نفسي في حلقة تحفيظ القرآن

ابوفوزانابوفوزان تم التحقق من .

:: مراقب عام ::
طاقم الإدارة
[frame="2 10"]

logo.jpg


مريض نفسي في حلقة تحفيظ القرآن
الأحد 24, أكتوبر 2010


2w.jpg




صلاح عبدالشكور
لجينيات ـ أقبل وعلى وجهه علامات البؤس والاكتئاب ..يتخيل الناظر إليه أنه قائم للتو من على سرير المرض .. أقبل ميمماً حلقة تحفيظ القرآن الكريم ..طالباً الانضمام إلى الحلقة .. شاب في مقتبل العمر .. يسرح في ميعة الشباب .. إلا أن حالته توحي أن كاهله مثقل بهموم كالجبال .. لم أتعجل بسؤاله عن حالته وصحته .. غير أني عرفت أنه يحفظ من سورة الناس إلى سورة العلق .. وأنه لم يكمل حتى الدراسة الابتدائية .. ولا عمل لديه .. رحبت به في الحلقة وأخذ مكانه بين الطلاب .. وهو يحاول إخفاء الحزن والقلق الباديين على وجهه .. أخذ القرآن وبدأ في القراءة بصوت خفي .. يقرأ ويقرأ .. ونظراتي ترمقه بين الحين والآخر .. علني أجد إجابة شافية لهذا اللغز المحير .. حال هذا الطالب ينبئ أنه قادم من حياة لفّها الظلام .. وغطتها سحب الضلالة والانحراف .. جلست مع نفسي أتساءل مالذي دفع هذا الشاب إلى المجيء لحلقة القرآن ؟؟!! ومن الذي أوصاه بذلك .. ومالذي يريده بالضبط .. ألزمت نفسي الصمت .. وتلفعت باللامبالاة لعل الأيام تكشف عن الحقيقة .. رجعت سريعاً من حلبة التفكير إلى واقع حلقتي وأنا أردد :

ستبدي الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ

حان وقت الانصراف .. وأقبل الطلاب نحوي للسلام فاقترب مني ماداً يده للسلام .. فسلمت عليه في صمت وعيناي تحدقان في عينيه الذابلتين .. وغدا مع الطلاب حتى اختفى ...

جاء اليوم الثاني .. والثالث .. والرابع .. وهو على حالته تلك فقررت في اليوم الخامس أن أجلس معه لأسأله عن حالته وعن سبب الوجوم الذي يعتريه والقلق الذي يبدو عليه .. أملاً في مساعدته وتوجيهه ولأكتشف ما وراء هذه الشخصية من أسرار أجزم أنها تحمل الكثير من الإثارة . ولكن للأسف جاء اليوم الخامس ولم أره في مكانه الذي اعتاد الجلوس فيه .. تكدرتُ لغيابه وقلت لعله حبسه حابس أو ألمّ به ظرف قاهر منعه من الحضور.. وسأكلمه إن شاء الله في قابل الأيام إذا رجع .. انتظرت مجيئه طويلاً .. ولكنه لم يعد .. سألت بعض الطلبة فلم يقفوا له على أثر .. حتى مضى على ذلك شهر كامل .. وفي ذات يوم رأيته قد جاء وجلس في مكانه المعتاد .. على نفس حالته السابقة ..ناديته على الفور .. سألته عن حاله وصحته .. وسبب غيابه .. فأخبرني أنه يشكو من أمراض نفسية مزمنة .. وتعتريه نوبات حادة من القلق والحزن والاكتئاب .. ويحس أن كل الناس ضده وعليه .. وأن النوم أعسر مطلوب لديه .. وذكر أعراضاً جانبية أصابته جراء تعاطيه لبعض الحقن والعقاقير التي وصفها له الطبيب النفسي .. وذكر لي سبب غيابه أنه منذ أن بدأ في العلاج .. أصبح ينام بالأيام دون شعور .. وأخذ يشرح آلامه ومشاكله النفسية التي تعبّر عن مدى القلق والاضطراب الذي يعيشه .. استمعت له بنهم إلى أن فرغ .. فرأيت من المناسب أن أعطيه جرعة روحية علوية .. مقابل تلك الجرعة التي وصفها له الطبيب النفسي فقلت هل تعلم أخي الغالي أن علاج مرضك ومعاناتك سهل بسيط للغاية .. حدّق النظر في عيني قائلاً كيف ؟! قلت له لا تستعجل ولكن سأعطيك وصفة بسيطة سهلة وصفها لك من خلقني وخلقك وسوّاني وسوّاك .. ومن هو أعلم بكل نفس وبكل داء وبكل دواء .. ازداد إقباله عليّ بقلبه وقالبه .. ورفع رأسه الذي اعتاد خفضه ليستمع إلى حديثي .. ويعرف وصفتي التي وعدته بها أوصيته بثلاثة أمور الأول : المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة . الثاني : الإكثار من ذكر الله تعالى على كل حال. الثالث : المداومة في حلقة تحفيظ القرآن والإكثار من تلاوته ..أردفت وصيتي بالثناء عليه في خلقه وهدوئه ورغبته في حفظ القرآن الكريم، ثم تلوت على سمعه بعض الآيات كقوله تعالى (الذين آمنوا وتطئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وقوله تعالى (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) وختمت كلمتي الموجزة بقولي: أن هذا القلب الذي محط السعادة والشقاء ومحل الحزن والفرح ولا يعرف ما يُسعده ويسره إلا من خلقه وأوجده وقد بيّن لنا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن القلب لا يسعد ولا يطمئن إلا بذكر الله تعالى لأن من أوجد الشيء وخلقه هو أعلم بما يصلحه ... انتهيت من كلمتي وانصرف إلى مكانه وكأنه يحدث نفسه سأطبق كل ما سمعت بإذن الله وسأبذل قصارى جهدي لاستخدام هذه الوصفة علني أخرج من هذه الدوامة التي تكاد تقتل ما تبقي من ورود حياتي .. وتأتي على كل جميل في وجودي وكياني .. رجع الطالب إلى مكانه .. وأخذت في التسميع والتحضير .. بعد يومين أو ثلاثة لاحظت اهتماماً واضحاً على هذا الطالب .. واظب على الصلوات المفروضة بجد فكنت لا أفتقده في الصف الأول .. ولم يغب عن حلقة القرآن خلال شهر كامل يوماً واحداً .. وبعد شهر وقد لاحت على وجهه شامات الحسن والنضارة .. وتفتحت بشرته السمراء بنور القرآن .. وجمّلت وجهه لحية خفيفة زادته وقاراً وبهجة .. ناديته مستفسراً عن حالته ومرضه .. وأعراض القلق والاكتئاب التي كانت تعتريه فقال : الحمد الله لقد بدأت أحس بطعم الحياة .. وانقشعت عني كل الأمراض والأوجاع النفسية .. وأمارس حياتي بهدوء واطمئنان .. لقد تهت في مسارب شتى في زمني الغابر ..حتى تخيلت الحياة هكذا بلا طعم ولا لون ولا رائحة .. وظننت أني سأغوص في إحدى تلك المسارب مودعاً هذه الحياة .. حتى قادني الله إلى هذه الروضة العبقة حلقة تحفيظ القرآن فكانت سبباً في نجاتي بعد توفيق الله .. فعرفت معنى الحياة في ظلال القرآن .. وارتشفت رحيق الأمان والاستقرار في ظل أحكامه وآياته .. وها أنا أعيش حياتي كأسعد إنسان والحمد الله .. استمر الطالب يحكي مشاعره الصادقة بكل صراحة .. أما أنا فقد ذهبتُ بعيداً بخيالي .. وسافرت عبر مطار التفكير أميالاً لا تعد .. قلت في نفسي : ما أكثر أولئك الذين يشكون القلق النفسي .. والاكتئاب والحزن وضيق الصدر ..أين هم من حلقات التحفيظ .. حيث النور والأمان والاستقرار .. أين هم من كتاب الله عز وجل ؟؟ ذلكم النبراس الوضّاء .. ذلكم النور والدواء .. والله ما فاء إليه مغموم إلا سُرّ .. وما تلاه مهموم إلا تسلّى .. وما آب إليه منكوب إلا وجد راحته وأنسه.. وما استشفى به مريض إلا ووجد فيه الشفاء .. وصدق الحق إذ يقول (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ).

صلاح عبدالشكور مكة المكرمة
(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)

المصدر :

http://www.lojainiat.com/index.cfm?do=cms.con&*******id=48263



[/frame]
 
عودة
أعلى