عودة الحب

هاني المنصور

مراقب سابق
عودة الحب
ــــــــــ



انتفضت عندما لمحته أمامي .. توقفت عن المسير .. أبت قدماي أن تتحركا خطوة واحدة .. حدجته بنظرة ذاهلة .. رشقني هو بنظرة طويلة .. كان الألم يتماوج علي خلجات وجهه النحيل والعتاب يتقافز طليقا في عينيه .
تشبثت بيد ابنتي أبغي الغوث .. تنتقل نظراته إليها وتتأرجح في مقلتيه دمعة ، تنفلت منه زفرة حارة ، تلفح قلبي البارد ، وتسري فيه جذوة ملتهبة .
ـ كنت أتمنى أن تكون ابنتي .
اتشحت عبارته بلوم صارخ .. انزلقت أحاسيسي في هوة الندم .. عضضت أناملي وخيبة الأمل تعمر نفسي .. انطوت السنين أمامي .. لمحته صبيا في العاشرة ، يحمل جسدي الصغير .. يلف بي في دوائر تتسع وتتسع .. صوت ضحكاتي البريئة يعلو في صخب .
أشعر بالتعب .. أوسد رأسي علي ركبته .. يمسح شعري الناعم براحته .. يداعب النوم جفني .. استيقظ وكل دهشة عندما أجد نفسي في فراشي .
تكالبت علي سنين طويلة ، جثمت ذكرياتها الثقيلة علي صدري .. تداعبني صورته أينما ذهبت .. استعيد ذكرياتي ..
استبق خطواته ، وود لو أنه يسبق ظله ، وهو يقفز السلالم ثلاثا ، ثلاث .. ثم وهو يعدو بأقصى سرعته مختصرا الزمن .. عبر بوابة مدرسته ، وقد تلاشت معالم الوجوه المحيطة به .
طاول برأسه يترقب خروجي من مدرستي .. لم يبال بوطيس الحر .. كانت حرارة انفعالاته أشد حرا من لهيب الشمس .. اكتنف صوته لوعة المشتاق .. عندما لم يرني ضاع منه هذا الصباح ، وقد تعود أن يبتسم له مع إطلالة ابتسامتي .. حتى الطريق طال ، وهو يجر نفسه جرا ، والأسئلة الكالحة تهوي علي رأسه كالمطارق ، ولا يجد ردا عليها .
يرنو إلي شرفتي ، تغمرنا الفرحة .. عندما نستعيد يومنا الضائع ، وبسمة الصباح المسلوبة .. ألوح له .. يضمني إلى قلبه .
تصارعني أفكاري القاتمة ، وأسئلة تتداعى إلي كالسيل .. هل ما زلت مالكة قلبه ؟ أم عمرته غيري ؟ .. أو ..
يرمقني الهاتف بنظرة لعوب .. تستهويني الفكرة .. أمد يدي ، وتداعب أناملي أرقامه .. يرمقني الرقم الأخير بسخرية .. أقذف الهاتف حانقة .
مازال مصرا علي غوايتي .. منكرا ترددي .. بكل عزم أطأ أرقامه السحرية .. أسمع صوتا يشجيني :
ـ حلم حياتي .. مهجة روحي .
أصيح وكلي أسى :
ـ ذهبت إلي بلاد الغربة .. تركتني وحيدة أعاني لوعة بعدك .
تردد صوته كدقات الطبول يلومني :
ـ بل أنت تزوجت غيري .. و لم تصوني عهدي .
الندم يعتصر قلبي ، ضاع حبي .. تسرب من بين يدي .. جعلتُ السنين تسلبه مني .
ذهب إلي البلاد البعيدة .. يبغي مهري .. تردد إلي صوت أمي :
ـ ستظلين مثل شجرة عقيم لا طرح لك .
أهتف بتحد :
ـ إنه زوجي .. وسأبقى علي عهدي .
سنين سبعة مرت أترقب وشجرة عمري يتساقط أوراقها .. تلفحها ريح ثقيلة .. وصوت أمي يتردد :
ـ شجر غيرك طرح .
أسودت أيامي ، وخاتمه لم يعد يسور إصبعي .. طرحت شجرتي من غيره .. أصبحت أما ومطلقة .. أصارع الحياة وحدي .. صحت وكلي مرارة
ـ لما لم تتركوني ؟ .. فأنا أعرف حظي .
أسمع شجو صوته يغويني ، ونظراته تتسلق جسدي تناديني :
ـ أن هلمي حبيبة روحي .
تأخذني اللحظة .. ثم تدميني الفكرة .. تراجع ندمي .. وتلاشت حسرتي.. وأنا أتعلق بكرامتي .. أسمع صدى صراخي المكلوم كنت لك حليلة ، وأنت الآن تبتغيني خليلة ؟!!


م.ن.ق.و.ل للفائده
 
عودة
أعلى