على أعتاب العشرة الأخيرة من رمضان

ابوفوزانابوفوزان تم التحقق من .

:: مراقب عام ::
طاقم الإدارة
على أعتاب العشرة الأخيرة من رمضان ...!!


أخي الحبيب :
نلتقي وإياك هذا اليوم على أعتاب العشر الأخيرة من رمضان...!!
نلتقي ونحن نتذكّر ذلك الفرح الذي عم قلوبنا بالأمس بلقاء هذا الشهر ،
واليوم نقف على أعتابه عشره الأخيرة ، وهو ماضٍ بصفحاتنا ،
راحل بأعمالنا ، فماذا يا ترى لدينا في أيام الوداع ؟
إن المتأمّل في هذا الشهر يجد دون تروٍّ أن هناك حكمة عظيمة
من وراء شرعيته ، لقد جعله الله تعالى على قسمين ،
عشرون من أيامه جعلها الله تعالى فرصة لأخذ مزيد من الطاعة ،
وترقى بنا خلال هذه العشرين في فضائل الأعمال التي جاءت في لحاف البشائر
على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جعل الله تعالى
هناك فرصة مضاعفة من فاته شيء من الفضل ، جعل الله تعالى
هذه العشر الأخيرة بمثابة مسك الختام للوداع ،
واختصها الله تعالى بليلة القدر ، تلك الليلة
التي تعدل ثلاث وثمانين سنة وبضعة أشهر في تاريخ الإنسان .

أخي الحبيب :
دعني أبارك لك هذا اللقاء ، أهنئك أيها المسلم وأنت تصافح
أعظم ليالي العام ، إنني أشعر أيها الحبيب وأنا أحدثك على أعتاب
هذه العشر أن ثمة فرصة تعاود الكرة عليك من جديد ،
ثمة فرصة هذه المرة تفتح لك أبواب النعيم ، ثمة فرصة تغسل أدرانك ،
وتذيب أخطاءك ، وتحيلك إلى أعظم مخلوق بين يدي ربك .
أيها المسلم إن الفرص تلوح لكنها قد لا تعود ، والمؤمن الصادق
هو من يستغل الفرص حين ما يرى بريقها ،
فهيا أخي الفاضل نكتب بعض مآثر الرجال في عشر رمضان ...!!

أخي الحبيب :
أخبر الله تعالى في الحديث القدسي خبراً يشنّف الأسماع حين قال :
وما تقرّب إلى عبدي بأحب شيء مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب
إلى بالنوافل حتى أحبه ( رواه البخاري ) وأخبر خبراً آخر فقال :
من تقرّب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً ، ومن تقرّب إلىّ ذراعاً
تقربت إليه باعاً ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة . ( رواه مسلم )
تأمّل يارعاك الله هذا الخبر الوجداني الكريم ،
إن مساحة الأمل في رحاب الله تعالى أعظم من أن توصف !
إنها مساحة لا تشترط شرطاً معيناً على المقبل إليه ،
فقط حين يصدق في إقباله فإن الله تعالى يمن عليه بالفضائل .

أخي الحبيب :
ما أحوجني وإياك اليوم في ظل هذه العشر وقبل الوداع
أن نحسن الإقبال على الله تعالى ، وأن نستدرك أيام التفريط ،
وأن نعوّض ما فات ، أتراني أخي الحبيب أطلب منك مستحيلاً
حين أقول من الواجب على الفطن العاقل اليوم في ظل هذه العشر
أن يحسن ملازمة الطاعة ، وأن يتكرّم على نفسه بالورود
إلى حياض المكارم ولو لهذه اللحظات الغالية ،
وكيف أطلب من نفسي وإياك مستحيلاً وهذه العشر لا تأتي في العام إلا وهله.
إنني أريد من نفسي ومنك أن نتشبه بحال السابقين ،
وأولى هؤلاء السابقين نبيك صلى الله عليه وسلم
حين تخبر زوجه عائشة رضي الله تعالى عنها فتقول :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله ،
وأيقظ أهله ( متفق عله ) زاد مسلم : وجد وشد المئزر .
وكانت تقول رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره ( رواه مسلم )
وكان علي رضي الله عنه يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم
يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان .
( رواه الترمذي وصححه الألباني ) فهاهو رسولك أيها الحبيب
يعلم ما في هذه العشر فيتعبّد فيها ما لا يتعبّد في غيرها .
إن أول صورة تتراءى في الذهن لاجتهاد هذا النبي الكريم
هي صورة إقباله صلى الله عليه وسلم على الصلاة ،
واهتمامه وتعلقه بها تلك صورة من حافظ عليها واهتم بها
لقي في قلبه عوالم الأرواح الحقيقية ، ولما لا تكون كذلك
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع .
( رواه الإمام أحمد وصححه أحمد شاكر والألباني )
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم :
لا يتوضأ أحدكم فيحسن الوضوء ويسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد
إلا الصلاة فيه إلا تبشبش الله إليه كما يبشبش أهل الغائب بطلعته .
( رواه ابن خزيمه وصححه الألباني ) بوب ابن خزيمة على هذا الحديث
فقال : باب ذكر فرح الرب تعالى بمشي عبده متوضأ .
وفي حديث ميثم رجل من أصحاب النبي صلى الله علي وسلم قال :
بلغني أن الملك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد ،
فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخل إلى منزله . رواه ابن أبي عاصم ،
وأبو نعيم والمنذري وصححه الألباني . فأي مواقف تقفها
أيها الحبيب في هذه العشر . وإذا كان الله تعالى يعجب منك ،
ويتبشبش إليك ، والملك يصحبك برايته فماذا تنتظر غير النعيم العظيم
جعلك الله تعالى من أهله . إن الفرصة تبدو كبيرة في ملازمة محراب المسجد
اليوم بالذات في مثل هذه العشر ، حرصك على صلاة الجماعة مع الإمام ،
وكثرة النافلة المقيدة والمطلقة ، سر من أسرار الموفقين في هذه الأيام ،
أما الليل فحدث عنه حديث المحبين ، وصدق من قال :
دقائق الليل غالية فلا ترخصوها بالغفلة ! يكفي أن الله تعالى جل جلاله
وتقدست أسماؤه ينزل في ثلثه الأخير إلى السماء الدنيا
فيقول : هل من داع فأستجيب له ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟
متفق عليه .

أخي الحبيب :
بين يديك في ليالي هذه العشر ليلة عظيمة القدر والشأن ،
قال الله تعالى فيها : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر *
وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر *
تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر *
سلام هي حتى مطلع الفجر )
وقال صلى الله عليه وسلم :
من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه
( متفق عليه )
وأهل العلم على أن الإنسان إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كل ليلة
تحقق له شهود ليلة القدر لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة .
لقد تحدث نبيك صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر حديث المعظّم لها
فقال صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر الأواخر في الوتر .
متفق عليه .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، ليلة القدر في تاسعة تبقي ،
في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى . رواه البخاري .
وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال :
خرج النبي صلى الله عليه وسلم
ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال :
خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان فَرُفعت ،
وعسى أن يكون خيراً لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة .
رواه البخاري .
وقال صلى الله عليه وسلم : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ،
فمن كان متحريها ، فليتحرها في السبع الأواخر .
متفق عليه .
وقد قرر أهل العلم رحمهم الله تعالى أنها في الأوتار آكد
كما هو ظاهر حديث النبي صلى الله علي وسلم .

أخي الحبيب :
الصدقة سر من أسرار رمضان بالذات ، وقد كان صلى الله عليه وسلم
أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه
القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ،
وأهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الطاعات تعظم في الأزمان الفاضلة ،
والصدقة في هذه العشر من ميراث الصالحين ، لقد كان صلى الله عليه وسلم
جواداً كريماً في كل حياته ، وكان في رمضان صورة أكثر جوداً وعطاءً ،
وهكذا كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى في أزمان الطاعة .
إن بإمكانك أخي الصائم أن تجعل لعشرك بعض نفحات البر والإحسان
إلى الأرامل والمساكين ، والفقراء والأيتام ، وأنت تعلم أن للصدقة
تأثيراً كبيراً في دفع البلاء عن المؤمن ، وتعلم أن المتصدق في ظل صدقته
يوم القيامه ، وتعلم أن ممن يظله الله تعالى بظله يوم القيامة متصدق
تصدّق بصدقته فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه .
والصدقة وإن كانت يسيرة إلا أنها بين يدي الله تعالى عظيمة ،
فلا تبخل بشيء من العطاء وقد بلغك أن الملك يدعو صباح كل يوم
بقوله : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ولا تنسى رعاك الله تعالى
في هذا المقام أن تفطير الصائمين فرصة خاصة في ظلال هذه العشر
وقد قال نبيك صلى الله عليه وسلم : من فطّر صائماً كان له مثل أجره ،
ومثل ذلك في الأجر وأعظم فكاك الأسير بدينه ، وإغاثة المنكوبين ،
وإطعام الأيتام ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته .
واعلم أن الابتسامة صدقة من الصدقات ، ومثلها الرحمة بالآخرين ،
والعفو عنهم ، والصفح عن أصحاب الزلات ، وقد غفر الله تعالى لامرأة
زانية بغي بسبب سقيها لكلب وقد أرهقه العطش ،
فقال الغزالي رحمه الله تعالى : لئن كانت الرحمة بالبهائم
تغفر ذنوب البغايا فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب .
واعلم أن أولى الصدقات بك في هذا المقام نبذ الفرقة ، وترك الخصام ،
فإن الواقع فيها في مثل هذا العشر قد يكون محروماً
من آثار هذه الفضائل . إن مثلك لا يخفى عليه أن ليلة القدر
رُفع علمها عن الأمة بسبب الشجار والخصام ،
وأي حرمان أيها الحبيب لرجل في عشره الأخيرة من رمضان وهو لا زال يكابر
في هذه الفضائل ، ويقع فريسة لعدو الله تعالى ، ويصر على هجر إخوانه
حتى في مواسم الطاعات ؟ ولئن كانت أعمال العباد تُعرض على الله تعالى
كل اثنين وخميس فإن أعمال المتخاصمين يحرمها النزاع ثمرتها ،
ويكتب عليها الشقاق آثار الجرمان .

أخي الحبيب :
ذكر الله تعالى الغنيمة الباردة ، والزاد اليسير ،
أعظم سلاح يتزوّد به المتقربين في هذه العشر ،
يكفي في ذلك حديث نبيك صلى الله عليه وسلم :
ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم ؟ وأرفعها في درجاتكم ؟
وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ؟
وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟
" قالوا : بلى قال : ذكر الله . رواه الترمذي وصححه الألباني .
ذكر الله تعالى أيها المسلم في هذه الأيام زاد المتقين ، وقربة المؤمنين ،
وهو الباب الذي يزدلف الإنسان منه إلى ربه تبارك وتعالى .
واعلم أن حفظك للأذكار المقيّدة كالأذكار بعد الصلوات ،
وأذكار الصباح والمساء ، وأذكار النوم والاستيقاظ ، والأكل والشرب ،
ودخول المسجد ، والخلاء ونحو ذلك ، ودوامك على الأذكار المطلقة
في كل حين طريق لنيل رضى ربك ، وتحقيق لسبق غيرك ،
وطريق للفوز والكرامة بين يدي ربك يوم القيامة

أخي الحبيب :
الدعاء ، الدعاء أيها المسلم فإنك في أيام البر والخير والإحسان ،
لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصائم دعوة عند فطره لا ترد ،
وأخبر صلى الله عليه وسلم
أن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل فيقول :
هل من داعٍ فأستجيب له ، هل من مستغفر فأغفر له .
وحسن سألته عائشة رضي الله عنها فقالت له :
أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟
قال : قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني .
رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني .
فبين يديك مواطن الرحمة ، وقد تهيأت لك في هذه العشر أسباب المغفرة ،
وقد لاح لك جواب سؤالك اليوم فاغتنم فإن الفرص قد لاتتكرر .
أحوج ما نحن بحاجة إليه في هذه المسألة هي أنه حين يرانا الله تعالى
ونحن ندعوه أن يرانا وقد لبسنا ثوب الخشية ، والذلة ، والضعف ،
والمسكنة ، والانكسار بين يديه فإن ذلك من أعظم أسباب إجابة الدعاء .
ومتى ما رآك الله تعالى ذليلاً منكسراً من عليك ، ورأف بحالك ،
وأعظم لك المثوبة . فأقبل في تلك الساعات فإنها من الفرص التي لا تعوّض .

أخي الحبيب :
الاعتكاف طريقك إلى سمو الروح ، وعالمَ ٌإلى تحقيق مقاصد القلب من الخشية
والإقبال على الله تعالى ، فهو طريق للم شعث القلب ، ولم فرقته ،
ولما كان الطعام والشراب ، والخلطة تؤثّر على صفاء الروح ،
وتسلب القلب من مقامات الأولياء شرع الله تعالى الصوم والاعتكاف ،
فإن الصوم يذهب بكير التخفة وأثرها على القلب ،
والاعتكاف يذهب بكير الخلطة ، فيحدث صفاء الروح ،
فيسمو الإنسان بين يدي الله تعالى . وهو سنّة ماضية من عهد
النبي صلى الله عليه وسلم فقد اعتكف صلى الله عليه وسلم العشر الأول ،
ثم اعتكف العشر الأوسط ، ثم اعتكف العشر الأخيرة واستقر اعتكافه في هذه العشر .
وعلى هذا كانت حياة السلف الصالح رحمهم الله تعالى .

أخي الحبيب :
قد لا أنجح في تصوير فضل القرآن لك ، خاصة في مثل هذه العشر ،
لك يمكن أن أقول لك إنك تقرأ كلام الله تعالى ، وتلهج بحديثه وذكره ،
وتكرر كلامه ، فيا لله أي كلام تردده ؟ وأي حديث تلفظ به شفاك ؟
وأي وقت تستقطعه في تكرار هذا الحديث ؟ كان جبريل عليه السلام
يعارض رسولنا صلى الله عليه وسلم بالقرآن كل عام مرة ،
وعارضه في العام الذي توفي فيه مرتين ، ولا تنس أن الحرف الواحد
بعشر حسنات إلى أضعاف كثيرة ، ويكفي أن الله تعالى قال :
( وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين )
فقط آمل أن تقرأه وأنت تتصوّر من تحدّث به ،
تقرأه قراءة المتشافي به من المرض ، الباحث به عن الصحة ،
المؤمّل فيه الراحة والسعادة والترقي في منازل الإيمان .

أخي الحبيب :
مهما كنت حريصاً في هذا المقام على رفع مقامك بين يدي الله تعالى
إلا أنك أوعب للقضية ، وتعلم مقدار ما بين يديك من فرصة ،
وتدرك تماماً أنه قد تهيأ لك من أسباب الخير مالم يتهيأ لغيرك ،
لئن كنت تشهد هذه العشر وأنت تلبس ثوب العافية فغيرك يشهدها
لكنه أسير على الأسرّة البيض لا يملك من الفرحة التي تعيشها
سوى دمعة تذرف على خديه . ولئن كنت تشهدها حقيقة
فغيرك تجرّع غصص ورحل وكم كان يتمنّى أن يشهد شهودك أخي الحبيب .

أخي الحبيب :
أدعوك دعاء المحب لحبيبه ، دعاء الناصح لأخيه ،
أدعوك أن تعتبر هذه العشر الفرصة التي قد لا تعود ،
والحياة التي قد لاتتكرر مرة أخرى .. كن إيجابياً ،
وانظر إلى الفرص بعين المتسابق التي يتمنى أن تلوح له .
سائلاً الله تعالى لك الهداية والتوفيق والسداد .
 
عودة
أعلى