مسلموا أراكان وحقوق الإنسان

أبوفارس يونس

مراقب قسم مسلمو أراكان
إلى أين تقف مأساة المسلمين في أراكان

مسلموا أراكان وحقوق الإنسان

المقدمة

بموجب قرار الجمعية العامة 217 ألف (د-3) المؤرخ 10/دسمبر/ 1948م أن الأمم المتحدة قد تنادي بإعلان بإسم" الإعلان العالمي لحقوق الإنسان " اعترافاً بالكرامة المتأصلة في جميع الأسرة البشرية وبحقوق المتساوية الثابتة، وتولياً حمابة حقوق الإنسان الأساسية على أساس الحرية والعدل والسلام فى العالم، وكانت الدول الأعضاء كلها قد تعهدت بالتعاون معها على ضمان الاعتراف بها، ومراعاتها بصورة عالمية، فعالية بين الدول الأعضاء ذاتها، وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها، وقد نوديت بهذا الإعلان العالمي مادتها الثانية أن لكل إنسان حق التمتع بكاقة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز بسبب العنصر واللون، أو الجنس، أو الدين في أي بلد أو أي بقعة التي ينتمي إليها، إلا أن أراكان- الولاية المحتلة في بورما- يواجه فيه الأقلية المسلمة "الروهنجيا" العنوف والحنكات الانتهاكية منذ الاحتلال عليها السلطة البورمية البوذية وتمارس ضدهم كل الاعتداءات والجرائم وما أي بند من مواثيق الأمم لضمان حقوق الإنسانية إلا أن السلطة العسكرية تناقضها وتنتهكها في حق الشعب الروهنجيا. فألغيت جنسّيتهم في عام 1982م نبذاَ كل الحقائق التاريخية والاعترافات السابقية وحرمتهم من أبسط الحقوق الأساسية، واتخذت كل الخطوات والعمليات الإجرامية ضدهم لإفناءهم. فالإرهاب والنهب، الاستبداد والظلم والطرد والاعتقال هي الظواهرات اليومية، وهتك حرمات النساء المسلمة، الإجراءات التعسفية، الضغوط الدينية والمصادرة الأراضية هي الفطرات للقوات العسكرية. وكادت تصفيتهم عن الوجود بإثرحملات الأبادة الجماعية والجرائم اللاإنسانية المتواصلة. فأين حق المساواة والعدل؟ وأين حقوق السيادة؟ وأين تفعيل المادة الأولى للإعلان العالمي على أنه" يولد جميع الناس أحراراً ومساوين في الكرامة والحقوق" فأسلئة الإنسانية لاتطرأ عندما ينتهك حقوق الأقلية المسلمة " الروهنجيا" في أراكان وعندما ينقضي هويتهم عن الوجود، وفي الشعب الفلسيني عندما يواجه الحملات الوحشية الصهيونية، العراق والأفغان والشيشان والصومال أصبحت المذابح وتمطر القنابل والصواريح على أهلها على هتافات انقاذ الإنسانية، وكلها تتم أمام مسمع ومرأي العالم المتحضر والمجتمع العالمي ومنظمات الحقوق الدولية والأمم المتحدة يشهد صماً وبكماً ولاتحس بواجباتها إلا كلمة عن التنديد في بعض الأحيان. نعم أن هذه الأعلانات والمنظمات تراي فاعلية مؤثرة في قضاياء بعض الشعوب على أساس الوضع الديني لمصالح السياسية. هنا نعرض نماذج بعض الانتهاك والمأسات بحق مسلمي أراكان بإيجاز.

أراكان: وسكانها عبر التاريخ.

أراكان: هي الأقليم الوحيد الذي تسكنه أغلبية مسلمة في بورما، وتقع في غرب بورما قبالة الساحل الشرقي لخليج البنغال، وكانت مساحتها في العهد البريطاني نحو20 ألف ميل مربع، ثم ينقّصها تدريجيا حيث بقيت الآن نحو 14200ميل مربع تقريباً([1]).و أراكان منطقة منفصلة تمام الانفصال عن بقية بورما جغرافيةً، لغويةً، ثقافيةً ومناخيةً. كما أن التاريخ يشهد بأن أقليم أراكان (الروهنجيا القديم) كان بلداً مستقلاً في خريطة العالم القديم من 2666ق.م إلي 1784م، وقد شمل استقلاله كل الجوانب.([2])

السكان:
عدد المسلمين في بورما حاليا حوالي عشرة ملايين من بين مجموع سكانها البالغ عددهم خمسين مليون، منهم ما يزيد عن أربعة مليون نسمة في أراكان، وهناك ثلاثة ملايين أخرين من العرق الأراكاني يقيمون في أماكن متفرقة في بورما أومهاجرين في كثير من دول العالم. ويوجد في أراكان أصلان عرقيان كبيران: الروهنجيا المسلم%70 نسبة، والراخين البوذية%25 نسبة وأماالنسمة الباقية هم الهنود والنصاري وغيرهم من الشعوب غير المتحضر.

الإسلام:
وقد تعرف أهالي أراكان على الإسلام في القرن الأول من الهجرة عن طريق التجار العرب المسلمين، ثم تنامي النفوذ الإسلامي فيها حتّي تم انشاء دولة إسلامية تعاقت عليها 48 سلاطين مسلماً كان أولهم سليمان شاه من العائلة الحاكمة مروكو في عام 1430م وأخرهم تماد شاه في عام 1784م.([3]) التي تضمنت شعاراتها خلال هذه العصور الذهبية ويخط نقوشاً عليها وعبارات عربية ككلمة" لاإله إلله محمد رسول الله" على العملات المتداولة. وفي عام 1784م سقطت دولة الأراكانيين بأيدي البوذيين البرمان، وبعد 42عام تحت حكم البرمان ثم احتلت بريطانيا أراكان مع أجزاء أخري من بورما وتم ضمها إلى الهند البريطانيا، وفي عام 1948م حصلت بورما على الاستقلال فيما بقيت أراكان تحت السيطرة البوذية البورمية. ([4])

انتهاك حقوق الإنسان بحق المسلمين في أراكان.

أن حقوق الإنسان تحترم وتؤكد في جميع الوثائق للمجتمع المتخضر في العالم، ولما تعهدت الأمم المتحدة سلسلة أجراءات لمراقبة حقوق الإنسان، إلا أن بورما تعتبر أسؤ الدول لانتهاكات حقوق الإنسان الذي لا يوجد مثيله في العالم بينما المضايقات والانتهاكات والإجراءات التعسفية ضد الأقلية المسلمة الروهنجيا ليس ما يوازنه في باقي أجزاء بورما الأخري. وإنما ذلك بأنهم المسلمين تعتنقون ديانة مختلفة عن ديانة البوذين.

وبموجب سياسة التشويه الثقافي والديني ضد المسلمين في داخل بورما فإن ملايين مسلمين فرّوا عبر حدود بورما إلى البلاد المجاورة وإلى الدول الإسلامية البعيدة، ولاتزال الأجهزة المختصة التابعة لما يسمي ب مجلس حفظ الدولة لاستعادة القانون والنظام تنفذ خطتها الرئيسة فى أفناء المجتمع الإسلامي، وتغرس فيها كل القوات حيث يتم الاستيلاء على أراضي المسلمين عنوة وطردهم منها بطريقة لاتستلقت انتباه العاملين في الوكالات التابعة للأمم المتحدة هناك، ووكالات العالمية.

بعض نماذج لهذه الانتهاكات:

حق الحياة.

أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تتناول مادّته الثالثة حق الحياة البشرية، وتنصّ هذه المادة على أن:" لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصيه" إلا أن أراكان ليس هناك أمان وضمان لحياة الفرد المسلم حيث مقتل المواطن من الروهنجيا في أي وقت وبشكل اعتباطي هي الظواهرات اليومية إما بواسطة العسكريين أو القوات الحدودية الحكومية البورمية أو بواسطة العملاء أخرين المنفيذين للقانون دون أي محاكمة. وعلى هذا المنوال يقتل المئات من المسلمين في كل عام. وفي عام 1942م وحده قتل على أبدي البوذيين أكثر من 80000مسلم.

حق الملكية:

وفي المادة السابعة عشر من الإعلان 1-: "لكل شخص حق التملك بمفرده أوبالاشتراك مع غيره"، 2-:" لايجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً" ولكن في أراكان قد تستمر مصادرة الأراضي للمسلمين والعقار والمشاريع التجارية والمزرعة والأوقاف، وإقامة مستوطنات بوذية عليها حتّي يصادر المواشي والحيوانات المملوكة وحتّي الحوانيت الصغيرة المخصصة لبيع الأزر من يشاء حينما يشاء وتملكها البوذين المستوطنين. فالمسلمون هم الفئة الأكثر تضرراً من قرارت المصادرات والتأميم مع بداية الحكم العسكري الشيوعي في بورما.

الحقوق الدينية:

تتناول المادة الثانية عشرة من الإعلان لحقوق الإنسان حرية الدين، وتنص هذه المادة على أن: لكل شخص حق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة. ولكن الشعب المسلم في أراكان يرفض عليهم صنوف من الضغوط على الممارسة الدينية ويمنعهم عن ذبح الأضحية وطباعة الكتب الدينية، وإقامة الحفلات والندوات، والسفر لأداء الحج أو الأنشطة الدينية الأخري، كما يرغم عليهم بمحو الأثار الدينية والشعائر الإسلامية من المساجد والمدارس الإسلامية ويحظر عليهم قطعاً بإصلاح مكسارها تسعون إلى طمس الإسلام وهوية المسلمين.

حق حماية الشرف:

وكانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره، فبموجب المادة الأولى لهذا الإعلان يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاَ بروح الأخاء. كما أن المادة الخامسة تنصّ على أن: لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا العقوبات أو المعملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة إلا أن في بورما لا يوجد أي ضمان لحماية شرف المسلمين، ولا يهم وضعهم وتأثير تعليمهم وشخصيتهم وديانتهم، فإن شرفهم وكرامتهم تحت رحمة السلطات البورمية حيث يضرب الأفراد بأساليب وحشية ويجبرهم على القيام بالأعمال القاسية دون أي أجر كتعبيد الطرق وحفرالخنادق وتوطين البيوت للقوات البورمية والمستوطنات البوذية على أراضيهم المصادرة، وتحلق لحى علماء الدين وتنتهك حرمات نساء المسلمين.

تقييد حرية الحركة والتنقل.

الإعلان العالمي قد اعترف لجميع الأسرة البشرية دون أي تمييز حرية النقل و قد يتنص في مادته الثالثة عشرة على أن: 1- لكل فرد حرية النقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة. 2- يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه. ولكن تم تقييد تحرك الروهانجيين داخل البلاد على نحو خطيرمنذ 11أكتوبر 1966م، ويحظر عليهم قطعاً التنقل إلي محافظات الدولة الأخري، كما إنهم لايستطيعون الانتقال من مركز الشرطة إلى مركز آخر دون تصريح حكومي، وبذلك تحولت القرى والمدن فى المناطق الإسلامية إلى معسكرات اعتقال، والمسلمون في سجن كبير محظور عن كل الاتصالات و الارتباطات بالقرى الأخرى فضلاً خارج الدولة والعالم.

حق التعليم.

ومن الحقوق الأساسية الثابتة في كل الوثائق الدولية حق التعليم لكل فرد، وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة السادسة وعشرين على أن: لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة. ولكن الحكومة البورمية العسكرية لم تسمح لأبناء المسلمين مواصلة تعليمهم العالي حيث إنهم يعتبرون غير مواطنينن، وأمّا الطلاب في المدارس الابتدائية والمتوسطة يجبرون على تغيير أسماءهم الإسلامي إلى الأسماء البوذي وعلى انحناء الرؤوس أمام علم مواطن وإلا فسوف يواجهون الطرد من المدارس.

حق الزواج.

حق الزواج حق فطري لا ينكره في أي حضارة وفي أي مواثيق ولكن الحكومة البورمية العسكرية ترفض عليهم ضغوط للزواجة هدفاً التعّسر بالتمتع بالحقوق الفطرية بحيث تجب عليهم الحصول على إذن مسبق قبل الزواج، كما تجب على العروسان الحضور إلى دوائر السلطات استهزاءً و تأكيداً من أنهما غير ملتزمين بالزي الإسلامي، والمتسنين إلي حد سن الزواج المحددة لدي الجهة المختصة 30 سنة للعروس و25 للعروسة على الأقل. و في عام 2005م أوقفت الحكومة إصدار التصريح للزواج قطعياً مدى سنة على الشعب المسلم فى أراكان.

حق المعالجة.

ومن الحقوق الأساسية الإنسانية المعترفة لدى جميع منظمات الحقوق الإنسانية هي حق التمتع بالمعالجة، ولكن الحكومة البوذية الحاقدة لاترضي بإتاحة حق المعالجة أيضاً، بل إنها لاترضي باعتراف المسلمين كذوي الأرواح، ولاتسمح لهم بالعلاج في المستشفيات الحكومية ومنع الرعاية الطبية كما أنها لم تتح الفرصة للسفر إلى خارج الدولة، بينما الأمم يهتم بمعالجة كلابهم وحيوانهم. وليس في أراكان أي مستشفي خصوصّياً يتمتع به المسلمون.

قانون المواطنة والجنسية في عام 1982م:

ولما كان العالم يتجه نحو فهم وإدراك حريات الجنس البشري من المعاملة الجائرة والظالمة الغير متكافئة على أساس العرق والدين واللون والجنس، راح المجلس العسكري البورمي الحاكم يتجه نحو القرون الوسطى انتهاكاً كل الحقوق الأساسية المعترفة لدي المجتمع العالمي، وجحداً كل الحقائق التارخية حاقد على الإسلام والمسلمين.

فمن سلسلة القوانيين السوداء التي تستهدف الإضرار بالروهانجيين مباشرة على وجه الخصوص، قانون المواطنة الصادر في التاسع من أكتوبر 1982م بقيادة اٍلجنرال ني وين بما يسمي ب "قانون المواطنة والجنسية" الذي ظهرت فعّاليته تماماً فى عام 1992م.

وبموجب هذا القانون ألغيت جنسية المسلمين الروهانجيين ومنعتهم عن تملك العقارات والأموال وتقلد الوظائف الحكومية، ومنعوا عن الدخول في القوات العسكرية والشرطية وعن الممارسة عن كافة أنواع الأنشطة السياسية، والأنشطة التجارية وعن تأديتهم الأنشطة الدينية بحرية، وحرية الانتقال. مع أن التاريخ ينطق و يشهد على أن الشعب الروهانجيا من السلالات الأصلية في أراكان ما يعترف حقائقها إعترافاً مطلقاً بواسطة حكومة بورما قبل عام1962م.

فختاماً.

أن قضية أراكان المسلمة أحدي الكوارث المفجعة المستمرة التي تواجه الأقليات المختلفة في هذا العصر. وإنها أقل القضايا تعريفاً وأقل المأسي معرفة بالنسبة للعالم حيث يدفع شعب مسلم بكامله إلى حافة العذاب والفناء أمام هذا العالم المتحضر والعالم كلها صامت. فتحت سياسة مدبرة بقضاء على الإسلام والمسلمين بكل الأساليب يواصل النظام الحاكم في بورما بحملة أبادة شعبية نظامية ضد الروهانجيا وكانت هذه الحملة قد أدّت حتّى الآن إلى أربع هجرات جماعية واسعة النطق للاجئيين من أراكان منذ حصول بورما على استقلالها فى عام 1948م، 1958م، 1978م، 1991م لملايين من الروهنجيا، وشنت 13 عملية عسكرية كبرى على الأقل منذ عام 1948م على المناطق التى يقطنها المسلمون، بحجة إجراء تحريات بمقتضى قانون الهجرة وتستمر هذه الهجرات فراداَ وجمعاً غير رسمية حتّى تم طرد 1.5 مليون مسلمين يعيشون في دول مختلفة. وأما المشاكلات في الحقيقة تكمن في عدم السماع بزيارة مراقبين محيدين أو زوار وصحفيين في بعثات تقضي الحقائق لكي يقدروا ويقيموا الوضع الحقيقي هناك.

وفي ظل هذه الأوضاع المأسوية السائدة الخطيرة ، و قبل مصير ها كأندلس الثاني، أرجو من جانب الدول المحبة للسلام والعدل في العالم عامة ومن منظمات الحقوق الإنسانية والدول الإسلامية بممارسة الضغوط الدبلوماسية على النظام البورمي الأشتراكي حتّى يستعيد الروهنجيون حقوقهم الثابتة المغتصبة.



إعداد /
رشيد الله جلال الأراكاني
أراكان، بورما
 

we3rb-64f734067d.gif


بارك الله فيك على مجهودك القيم في إعداد هذا التقرير عن مسلموا أراكان
نسأل الله أن يفك أسرهم

we3rb-d71f13db10.gif
 
الله يجزيك خير يا رشيد الله جلال الأراكاني

ويا ابوافارس على النقل القيم ....
 
كثر الله من أمثالك يا أستاذنا ويا أخونا الفاضل المناضل وزرقك الشهادة في سبيله ......

ولي عودة إن شاء الله للمناقشة حول الموضوع
 
عودة
أعلى