ابوحمد

مراقب قسم عالم الرياضة
إنضم
8 أكتوبر 2009
المشاركات
4,518
مستوى التفاعل
0
الإقامة
تعارف _كرة قدم _سباحة
الأعمال المضاعفة

الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد :

التزود بالطاعات والاستكثار من الصالحات غاية ومطلب لكل مؤمن ومؤمنة ، ولكن المشاهد يجد العكس في حياة الناس من إقبال على الدنيا و اللوم على من فرط فيها ، وقل من يفرط في أي أمر من أمور الدنيا إلا و تجد من يصفه بالسفه و الحمق بل ربما تعدى الأمر إلى أن مثله يحجر عليه ، ويقابل ذلك تفريط عجيب في أمور الآخرة، وما يعنينا أيها الإخوة في هذا المقام هو أمر أخروي و ليس دنيوي وراجح لا مرجوح، بل هو خير من كنوز كسرى و قيصر ،ذلكم هو التفريط في الأعمال الصالحة وخصوصاً فضائل الأعمال و الأعمال المضاعفة ، ولقد سُئل الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله عن أسباب مضاعفة ثواب الأعمال الصالحة ، فأجاب رحمه الله بجواب نفيس ؛ حيث ذكر أسباباً متنوعة لمضاعفة ثوابها ، مستدلاً بنصوص الوحيين ومراعياً مقاصد الشريعة ومصالحها فقال رحمه الله :
(الجواب ؛ وبالله التوفيق : أما مضاعفة العمل بالحسنة إلى عشر أمثالها ، فهذا لا بد منه في كل عمل صالح ، كما قال تعالى ( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) وأما المضاعفة بزيادة عن ذلك ، وهي مراد السائل ، فلها أسباب : إما متعلقة بالعامل ، أو بالعمل نفسه ، أو بزمانه ، أو بمكانه ، وآثاره .
فمن أهم أسباب المضاعفة أن يحقق العبد في عمله الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول ز؛ فالعمل إذا كان من الأعمال المشروعة ، وقصد العبد به رضى ربه وثوابه ، وحقق هذا القصد بأن يجعله هو الداعي له إلى العمل ، وهو الغاية لعمله ، بأن يكون عمله صادراً عن إيمان بالله ورسوله ، وأن يكون الداعي له لأجل أمر الشارع ، وأن يكون القصد منه وجه الله ورضاه ، كما ورد هذا المعنى في عدة آيات وأحاديث ، كقوله تعالى : ( إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) أي : المتقين الله في عملهم بتحقيق الإخلاص والمتابعة ، وكما في قوله ز : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) مق . وغيرها من النصوص .
والقليل من العمل مع الإخلاص الكامل يرجح بالكثير الذي لم يصل إلى مرتبته في قوة الإخلاص ، ولهذا كانت الأعمال الظاهرة تتفاضل عند الله بتفاضل ما يقوم بالقلوب من الإيمان والإخلاص ؛ ويدخل في الأعمال الصالحة التي تتفاضل بتفاضل الإخلاص ترك ما تشتهيه النفوس من الشهوات المحرمة إذا تركها خالصاً من قلبه ، ولم يكن لتركها من الدواعي غير الإخلاص، وقصة أصحاب الغار شاهد بذلك .
ومن أسباب المضاعفة وهو أصل وأساس لما تقدم : صحة العقيدة ، وقوة الإيمان بالله وصفاته ، وقوة إرادة العبد ، ورغبته في الخير ؛ فإن أهل السنة والجماعة المحضة ، وأهل العلم الكامل المفصل بأسماء الله وصفاته ، وقوة لقاء الله ، تضاعف أعمالهم مضاعفة كبيرة لا يحصل مثلها ، ولا قريب منها لمن لم يشاركوهم في هذا الإيمان والعقيدة . ولهذا كان السلف يقولون : أهل السنة إن قعدت بهم أعمالهم قامت بهم عقائدهم ، وأهل البدع إن كثرت أعمالهم ، قعدت بهم عقائدهم ، ووجه الاعتبار أن أهل السنة مهتدون ، وأهل البدع ضالون . ومعلوم الفرق بين من يمشي على الصراط المستقيم ، وبين من هو منحرف عنه إلى طرق الجحيم ، وغايته أن يكون ضالاً متأولاً .
ومن أسباب مضاعفة العمل : أن يكون من الأعمال التي نفعُها للإسلام والمسلمين له وقعٌ وأثرٌ وغَناء ، ونفع كبير ، وذلك كالجهاد في سبيل الله : الجهاد البدني ، والمالي ، والقولي ، ومجادلة المنحرفين ؛ كما ذكر الله نفقة المجاهدين ومضاعفتها بسبعمائة ضعف .
ومن أعظم الجهاد : سلوك طرق التعلّم والتعليم ؛ فإن الاشتغال بذلك لمن صحت نيته لا يوازنه عمل من الأعمال ، لما فيه من إحياء العلم والدين ، وإرشاد الجاهلين ، والدعوة إلى الخير ، والنهي عن الشر ، والخير الكثير الذي لا يستغني العباد عنه ؛ فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل له به طريقاً إلى الجنة ، ومن ذلك المشاريع الخيرية التي فيها إعانة للمسلمين على أمور دينهم ودنياهم التي يستمر نفعها ويتسلسل إحسانها ، كما ورد في صحيح مسلم : (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به من بعده ، أو ولد صالح يدعو له) .
ومن الأعمال المضاعفة : العمل الذي إذا قام به العبد ، شاركه فيه غيره ، فهذا أيضاً يضاعف بحسب من شاركه ، ومن كان هو سبب قيام إخوانه المسلمين بذلك العمل ؛ فهذا بلا ريب يزيد أضعافاً مضاعفة على عملٍ إذا عمله العبد لم يشاركه فيه أحد ، بل هو من الأعمال القاصرة على عاملها ، ولهذا فضّل الفقهاء الأعمال المتعدية للغير على الأعمال القاصرة . ومن الأعمال المضاعفة إذا كان العمل له وقع عظيم ، ونفع كبير ، كما إذا كان فيه إنجاء من مهلكة وإزالة ضرر المتضررين ، وكشف الكرب عن المكروبين . فكم من عمل من هذا النوع يكون أكبر سبب لنجاة العبد من العقاب ، وفوزه بجزيل الثواب ، حتى البهائم إذا أزيل عنها ما يضرها كان الأجر عظيماً ؛ وقصة المرأة البغي التي سقت الكلب الذي كاد يموت من العطش ، فغُفر لها بغيها ، شاهدة بذلك كما في الحديث المتفق عليه .
ومن أسباب المضاعفة : أن يكون العبد حسن الإسلام ، حسن الطريقة ، تاركاً للذنوب ، غير مُصِرّ على شيء منها ، فإن أعمال هذا مضاعفة كما ورد بذلك الحديث الصحيح : (إذا أحسن أحدكم إسلامه ؛ فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ... ) الحديث متفق عليه .
ومن أسبابها رفعة العامل عند الله ، ومقامه العالي في الإسلام ، فإن الله تعالى شكور حليم ، لهذا كان أجر نساء النبي ز مضاعفاً . قال تعالى : ( وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ )، وكذلك العالم الرباني ، وهو العالم العامل المعلّم تكون مضاعفة أعماله بحسب مقامه عند الله ، كما أن أمثال هؤلاء إذا وقع منهم الذنب ، كان أعظم من غيرهم ، لما يجب عليهم من زيادة التحرز ، ولما يجب عليهم من زيادة الشكر لله على ما خصهم به من النعم .
ومن الأسباب : الصدقةُ من الكسب الطيب ، كما وردت بذلك النصوص . ومنها شرفُ الزمان ، كرمضان وعشر ذي الحجة ونحوها ، وشرف المكان كالعبادة في المساجد الثلاثة ، والعبادة في الأوقات التي حث الشارع على قصدها ، كالصلاة في آخر الليل ، وصيام الأيام الفاضلة ونحوها ، وهذا راجع إلى تحقيق المتابعة للرسول ز المكمل لله مع الإخلاص للأعمال المنمّي لثوابها عند الله .
ومن أسباب المضاعفة: القيامُ بالأعمال الصالحة عند المعارضات النفسية ، والمعارضات الخارجية ؛ فكلما كانت المعارضات أقوى والدواعي للترك أكثر ، كان العمل أكمل ، وأكثر مضاعفة . وأمثلة هذا كثيرة جداً ، ولكن هذا ضابطها .
ومن أهم ما يضاعف فيه العمل : الاجتهاد في تحقيق مقام الإحسان والمراقبة ، وحضور القلب في العمل ، فكلما كانت هذه الأمور أقوى ، كان الثواب أكثر ،ولهذا ورد في الحديث : (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها) فالصلاة ونحوها وإن كانت تجزئ إذا أتى بصورتها الظاهرة ، وواجباتها الظاهرة والباطنة ، إلا أن كمال القبول ، وكمال الثواب ، وزيادة الحسنات ، ورفعة الدرجات ، وتكفير السيئات ، وزيادة نور الإيمان بحسب حضور القلب في العبادة . ولهذا كان من أسباب مضاعفة العمل حصولُ أثره الحسن في نفع العبد ، وزيادة إيمانه ، ورقّة قلبه ، وطمأنينته ، وحصول المعاني المحمودة للقلب من آثار العمل ؛ فإن الأعمال كلما كملت ، كانت آثارها في القلوب أحسن الآثار.
وقال رحمه الله : ومن لطائف المضاعفة أن إسرار العمل قد يكون سبباً لمضاعفة الثواب ، فإن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله : (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه .. ومنهم : رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) كما أن إعلانها قد يكون سبباً للمضاعفة كالأعمال التي تحصل فيها الأسوة والاقتداء ، وهذا مما يدخل في القاعدة المشهورة : قد يعرض للعمل المفضول من المصالح ما يصيّره أفضل من غيره . ومما هو كالمتفق عليه بين العلماء الربانيين أن الاتصاف في كل الأوقات بقوة الإخلاص لله ، ومحبة الخير للمسلمين مع الله بذكر الله لا يلحقها شيء من الأعمال ، وأهلها سابقون : لكلّ فضيلةٌ وأجرٌ وثوابٌ ، وغيرها من الأعمال تبع لها ؛ فأهل الإخلاص والإحسان والذكر هم السابقون السابقون المقربون في جنات النعيم .
و إليكم بعض الأمثلة المتنوعة التي ندرك من خلال ذكرها مدى البون الشاسع و الفرق الكبير بيننا وبين البدار إلى الأعمال الصالحة ، ففي صحيح مسلم أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصلي على الجنازة ثم ينصرف فلما بلغه حديث النبي ز: من تبع جنازة فله قيراط . قال ابن عمر لقد فرطنا في قراريط كثيرة .
وفي الصحيحين أن النبي ز قال : من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر ، وعند مسلم أنه ز قال : أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟ فقيل كيف يكسب أحدنا ألف حسنة ؟ قال يسبح مائة تسبيحه فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة . وعند أحمد أن النبي ز قال : من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة .
فانظروا رحمكم الله إلى هذه الحسنات الهائلة وهذه الأجور العظيمة وما يقابلها من العمل اليسير وألا ليت شعري هل نخيل الجنة كنخيل الدنيا ؟
يكفي من التعداد قول إلهنا ** من كل فاكهة بها زوجان

و أتوا به متشابها في اللون مخــ ** ـتلف الطعوم فذاك ذو ألوان

يا طيب هاتيك الثمار و غرسها ** في المسك ذاك الترب للبستان
هذا في الذكر ، فما تقولون فيمن حسن خلقه ، فكف أذاه وخفض جناحه وزم نفسه عن سفاسف الأمور لينال معاليها فرحم وصدق وبر و أوفى وهش في وجه أخيه وبش إن ظلم صبر و إن أخطأ اعتذر وفي هذا و أمثاله يقول النبي ز : ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن و إن الله ليبغض الفاحش البذيء . ت وفي الحديث الآخر : إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم . د
أيها المسلمون : ولا يخفى عليكم أن من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجه عن النار سبعين خريفاً ألا و إن هذا الشهر الفاضل شهر شعبان مما كان يحرص فيه النبي ز على الصيام فيه فاحرصوا على الصيام تمهيداً لاستقبال شهر الصيام واقتداءً بسيد الأنام ز .
إن لهذا التفريط في الأعمال الصالحة أسباباً كثيرة يطول حصرها من أهمها :الغفلة عن الحاجة لمثل هذه الأعمال ، ومنها الظن بأن البعض مستغن عن مثل هذه الأعمال وكذلك العجز و الكسل و كذلك كثرة الاشتغال بالمباحات و الإفراط فيها ، وغير ذلك من الأسباب .
اللهم هيء لنا من أمرنا رشداً اللهم آت نفوسنا تقواها و زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها يا رب العالمين.

 
أعلى