فريد بخيت
كاتب مميز
- إنضم
- 25 أكتوبر 2009
-
- المشاركات
- 198
-
- مستوى التفاعل
- 0
صاحِبُ السعادة ..
ومَنْ غيرهُ الذي لا يمكن لأحدٍ أن يُخْفي عِشْقه تُجاهه ؛ إنَّه ( الفول ) ، تلك الوجبةُ التي شبَّهها العُشاق بالخمرة في أشعارهم ، وأيُّ أشعار فهم لم يستطيعوا أن يكتموا عشقهم تُجاه هذه الوجبة الدَّسمة .. ربما لأن رمضان يعطي ميزةً في أكلاته ، إلاَّ أنَّ هذا الفول قد أخذ بمكامِنِ العُشَّاقِ إليه ..
قدَّر الله لي بأنْ أكون بإحدى محلاَّت الفول ؛ لمروري أمام الدكان الذي بدى وكأنه ساحةً من ساحات الحروب المستعصية ، كلٌّ يريدُ أن يكون له حظٌ وافرُ من الغنيمةِ التي ينتظرها ، إلاَّ أنني رفعت رأسي إلى السماء ؛ طالباً العون من الله القدير ، بأن يخرجني سالماً من بين أنياب الزحام وضراوته ، وهي كالعادة التي أراها في نهارِ رمضان ، قتال على الفول وكأنَّ كل واحدٍ منهم يريد أن يكون هو من ينال حبها وأنسها .. عندها تذكرت صديقي ( أحمد مامي ) ذلك المنشد الذي أنشأ نشيداً عن الفول والتميس فقال من بين ما قال ..
عند أكلِ التميسِ تزكوا النفوسُ * * * ومع الفولِ قد يزول العبوسُ
فإذا فاتَ صحــنُ فول فويلٌ * * * للذي فاتــه سيعلوه بؤس
في طوابيره ترى بركـــاتِ * * * المالِ فتبدو فلا تضيع الفلوس
فإذا فاتَ صحــنُ فول فويلٌ * * * للذي فاتــه سيعلوه بؤس
في طوابيره ترى بركـــاتِ * * * المالِ فتبدو فلا تضيع الفلوس
نعم هكذا صوَّر لنا ذلك المنشد عِشق الفول وهيامه على لسانِ ما رآه .. فالغريب من أن الفول نراه في كل الشهور وحيداً ومنفرداً ، إلا أن عزيمته تقوى في رمضان ، ربما من الصَّداقة الحميمة بينه وبين هذا الشهر الكريم ، فالزِّحامُ الذي أراه كل يومٍ دليلٌ على أنَّ هذه الوجبة تحتل قائمةَ أفضلِ عشْرِ وجباتٍ رئيسة في رمضان .. إلا أنَّ الزِّحام لا يعرف المحتاج من الغني ، ولا يعرف الفقير من المسكين ، فكلُ ما في الأمر الحصول على رائحة من نشواتِ هذا الفول العريق .
ومن بين الزحام ظهر شرطيٌّ يحمل الأناقةَ العسكرية ، مرتدياً نظارةً شمسية ، فقام وبدأ بتنظيم الصفوف مذكِّراً الناس بأهمية الصبر ، إلا أن العُشاق اكتفوا بهزِّ الرؤوس ، فما أن دخل الشرطي يطلب الوجبة الغنية ، إلاَّ ونال من الضرب والدفع والسَّحب ما نال ، فليحمد الله أنه نال ما يريده احتراماً للأناقة العسكرية ...
نعود إلى حيث كنا ، وبالذات إلى الوراء عندما كنت صغيراً مع والدي ، وكنا بذلك الوقت عند سوق الليل ( السوق الصغير ) ذلك السوق العريق الذي كان بجوار الحرم المكي الشريف ، حيث أتذكر كيف كُنَّا في طابور العشَّاق لاستقبال صاحبِ السعادة و( مَلِكِ السُّفَر ) كما يقولون عنه ؛ الفول .. ومِنْ أجمل ما يمتعنا بالوقوف هادئين هي تلك العبارات التي كان يطلقها صاحب المحل ( الفوَّال ) معتمراً عمامته الرائعة ، وحاملاً ذلك الشَّالُ على كتفه ، وهو يطلق غناءه المباح عن الفول ( إن فاتك الفول فأنا غير مسؤول ) ، والأجمل ما شدني من العبارة الثانية ( أجيك يا فول ، ولو كنت في سيؤل ) .. عندها كنت أسأل والدي عن سيئول هذا !! ..
من هو سيؤل هذا ؟؟
من هو سيؤل هذا ؟؟
لم يجبني أحدٌ من الحضور ، فقد سُكِروا من نشْوة ما يشتمونه ، أما عن السؤال فقد حصلت على الإجابة عليه بعدما كَبُرت ، وبمتابعتي لمباريات المنتخب أمام كوريا ، عندها علمت أن سيؤل مدينة في كوريا .. فتساءلت كيف يعرف أصحاب العيون الصغيرة الفول ، وما أدراهم .. لكنني علمت أيضاً أنَّ الفول لا يركب له وزنٌ ولاقافيةٌ إلا كلمة سيؤل ...
نعود إلى الزِّحام وساحة المعركة ، فوسط خضمِّ الذكريات التي عشتها وأنا أنتظر الفول ، لفت انتباهي قلَّةُ الزحامِ ، وهدوءُ الناسِ ، وركودُهم ، عندها حمدْتُ الله بأنَّ الناس قد عادت إلى رُشدها ، وشكرتُ الشيخ الشريم عندما كان يقرأ آية من القرآن الكريم المنطلق من مِذْياع الدكان ( إنَّمَا يُوفَّى الصَّابِرُونَ أجْرَهُمْ ) ..
وفجأة !!. التهم هدوءَ الصَّمت ، صوتُ أحدِ المصْطفِّين حينما قال .. اعطونا تمرة وماءاً ..
فقد ارتفع الأذانُ الآن ..
...
من قصصي ( يوميَّات صائم ) قصَّةٌ حدثت في شهر رمضان المبارك المنصرم .
وفجأة !!. التهم هدوءَ الصَّمت ، صوتُ أحدِ المصْطفِّين حينما قال .. اعطونا تمرة وماءاً ..
فقد ارتفع الأذانُ الآن ..
...
من قصصي ( يوميَّات صائم ) قصَّةٌ حدثت في شهر رمضان المبارك المنصرم .
اسم الموضوع : صاحِبُ السعادة ..
|
المصدر : أقلام الأعضاء