فريد بخيت
كاتب مميز
- إنضم
- 25 أكتوبر 2009
-
- المشاركات
- 198
-
- مستوى التفاعل
- 0
مرحباً بكم أحبتي الكرام في صفحةٍ من صفحات ( دفتر الكشكول ) ؛ الغنيُّ بالمعرفة والعلوم ، والأسطر الفنية والفنون ، فهذه المرَّة سنتحدَّثُ عن قصَّةٍ وقعتْ في إحدى الدول بعهد الدولةِ الأمويَّةِ ، ذلك العهد المتميِّز بالإصرار على البقاء ، والحفاظِ على الأصالةِ والتراث ، فقمتُ إلى بطون الكتب الأدبيَّة ؛ سابحاً في بحورِ زمانها وأدبائها ، وروائع قصصها ، فخرجتُ بهذه القصَّة الجميلة في أحداثها ، والطريفةُ في مواقفها ، والإصرار في تفاصيلها ، قصَّةٌ تدخَّلت في أحداثها ، ناقلاً لها بتصرف .. فإليكم قصَّة ..
( 2 )
( الحمَّارينَ الثلاثة )
قصَّةٌ لا تكادُ تكونٌ غريبةً على أحدِ منَّا ، فربما يعرفُ بعضنا تفاصيلها ودقائقها ، والبعضُ الآخر ربما يجهلها ، فهي قصَّةٌ دوَّنها التاريخ الإسلامي بين طياته ، تحملُ في معناها الإصرار والتقدُّم والكفاح ، وأنْ لا يأسَ مع الحياة ..
فيُحكى أنَّه كان هناك ثلاثةٌ ممن يعملون في حمل البضائع على الحمير ، ويتنقلون بها من مكان إلى آخر ، لذلك أُطلقوا عليهم الحمَّارين ؛ لمزاولتهم مهنة نقل البضائع على حميرهم ، وصادف أن كان الثلاثة يتسامرون ليلاً ؛ لنفض ما علِقَ بهم من آثار التعب والنصب ، إلاَّ أن أحدهم قال لصديقيه ( افترِضا أنَّني أصْبحتُ خليفة !!؟ فماذا تتمنيا ؟؟ ) ..
تفاجأ الاثنان من أحلامِ يقظةِ صديقهم ، ومن غرابةِ ما ذكره لهم ، فهم يعرفون أنَّ هذا خيالٌ ضبابيْ ، إلاَّ أنهم أنكروا عليه ذلك ، فقالا له : ( أينَ أنت والخلافة !! ) حمَّارين يتفيئون بحميرهم ، يتمنى أحدُنا أن يكون خليفةً ؟؟ ، لا بدَّ أن الجنون قد ركِبكَ .
تفاجأ الاثنان من أحلامِ يقظةِ صديقهم ، ومن غرابةِ ما ذكره لهم ، فهم يعرفون أنَّ هذا خيالٌ ضبابيْ ، إلاَّ أنهم أنكروا عليه ذلك ، فقالا له : ( أينَ أنت والخلافة !! ) حمَّارين يتفيئون بحميرهم ، يتمنى أحدُنا أن يكون خليفةً ؟؟ ، لا بدَّ أن الجنون قد ركِبكَ .
لكنَّ إصرارَ ذلك الرجل ما زال فيه ، بل وأشار على أحدٍ منهما بأنْ يتمنى فقط ، دون أن يزيد على خياله شيء ، فهم يحلمون .. فقال أحدهم ، وهو يكتمُ الضحكة داخل صدره ( فقال : أريد حدائق غنّاءة , وماذا بعد ؟ .. قال الرجل : إسطبلاً من الخيل , وماذا بعد , قال الرجل : أريد مائة جارية .. وماذا بعد أيهاالرجل , قال مائة ألف دينار ذهب . ثم ماذا بعد , يكفي ذلك يا أمير المؤمنين ) ..
كلُّ ذلك وهم يتخافتون الضحِكات والاستعجاب بينهما ، إلاَّ أنَّ صديقهم ما زال هو الخليفة سابحاً في خيالِ القصور والحرس ، وهو فوق حماره الذي اتخذه كرسيَّاً ..
ثمَّ قال للآخر : وأنتَ ماذا تتمنَّى ؟؟ ، فردَّ عليه الرجل قائلاً : إنَّما أنْتَ حمَّار !! فكيف أطلبُ منك ، لكنَّ إصرار صديقه حثَّهُ على أمنيته فقال : ( إذا أصبحتَ خليفةً فاجعلني على الحمار ووجهي نحو مؤخرةِ الحمار ، وأمر منادياً يقودني بالأروقة قائلاً : أيها النَّاس هذا دجالٌ فلا تقتربوا منه ، ثم أودِعني السجن ). فقال له صديقه : لكَ ذلك .
ثمَّ قال للآخر : وأنتَ ماذا تتمنَّى ؟؟ ، فردَّ عليه الرجل قائلاً : إنَّما أنْتَ حمَّار !! فكيف أطلبُ منك ، لكنَّ إصرار صديقه حثَّهُ على أمنيته فقال : ( إذا أصبحتَ خليفةً فاجعلني على الحمار ووجهي نحو مؤخرةِ الحمار ، وأمر منادياً يقودني بالأروقة قائلاً : أيها النَّاس هذا دجالٌ فلا تقتربوا منه ، ثم أودِعني السجن ). فقال له صديقه : لكَ ذلك .
فكادا يسْبحَا في خيالٍ أوسعْ ، ويقتربوا من أبوابِ الخلافة ؛ إلاَّ أنَّ النومَ قاطعهم وتركهم في سُباتٍ عميق ؛ حتى يظهر لهم يومهم كيف تركهم بالأمس ..
* * * * *
أشرقتِ الشمس المحرقة ، فأحرقتْ كل خيال وأحلام ، واستيقظوا على أصواتِ حميرهم وكأنها تأمرهم بالاستيقاظ ، لأنه قد حان وقتُ الجهد والعمل المضنيْ .
الكل استيقظَ وأعدَّ عُدته وحماره ، وساروا إلى حيثُ مبتغاهم ؛ إلاَّ ذلك الذي عاش في الأحلام والخيال ، حيث كان يُفكِّرُ في مصيره أين سيكون ( إذا لزمَ الحمار ) ، فحاله لن يتغيَّر إلاَّ إذا ( فَعَلَ شيئاً ) ، فأول الخطوات خطاها ، بأنْ باع حماره وتخلَّصَ منه ، ويترك من يجالسهم ، وقرر أن يُبدِل عمله إلى عملٍ يهتمُّ بشئون الدولة ، فقرر أن يعمل شرطيَّاً ، وبالفعل أصبح نشاطه فعَّالاً ، حيثُ يُثْني عليه كل زملاؤه إلى أنْ عُرِفَ بين رؤسائه بالمجتهد والنشيط ، والذي كافحَ السنين الطوال بسيرته الحسنة ، وجهده المتواضع .
الكل استيقظَ وأعدَّ عُدته وحماره ، وساروا إلى حيثُ مبتغاهم ؛ إلاَّ ذلك الذي عاش في الأحلام والخيال ، حيث كان يُفكِّرُ في مصيره أين سيكون ( إذا لزمَ الحمار ) ، فحاله لن يتغيَّر إلاَّ إذا ( فَعَلَ شيئاً ) ، فأول الخطوات خطاها ، بأنْ باع حماره وتخلَّصَ منه ، ويترك من يجالسهم ، وقرر أن يُبدِل عمله إلى عملٍ يهتمُّ بشئون الدولة ، فقرر أن يعمل شرطيَّاً ، وبالفعل أصبح نشاطه فعَّالاً ، حيثُ يُثْني عليه كل زملاؤه إلى أنْ عُرِفَ بين رؤسائه بالمجتهد والنشيط ، والذي كافحَ السنين الطوال بسيرته الحسنة ، وجهده المتواضع .
توفِّي الخليفةُ الأمويْ تاركاً ولايتهُ لولده هشام ؛ المؤيد بالله ، حيثُ كان عمره آنذاك كما يحدثنا التاريخ الأموي عشر سنوات ، فكيف بصاحِبِ العشْر سنوات أن يتولَّى خلافة دولة عظيمة المِساحة والقوَّة ؟؟ .. لذا قرَّر وزراء الدولة اختيار وصِيٍّ لذلك الولد ، لكنْ على الوصي أن يكون غيرَ أبناء بني أميَّة ، فوقع الاختيار على مجموعةٍ من الأوصياء ، ومن بينهم ذلك الرجل المكافح ( صاحب الحمار السابق ) ، إلاَّ أنَّ ذلك الرجل استطاع أن يظفر بالوِصاية ؛ لشهرته بين زملائه بجِدِّهِ واجتهاده وسيرته الحسنة ، وترقيته التي تلقاها حتى أصبح ذو شأن عظيم عند قصر الخليفة الأموي ، ومما ساعده أيضاً في الظفر بالوِصاية ؛ قرابته بوالدة الخليفة ، فأول ما قام به هو ( أنْ لا يخرج الخليفة إلا بأمر من عندِه ) ، وأن ينتقل شؤون الحكم والقصر إلى قصره - صاحب الحمار - وكل ذلك وهو يفتحُ الأمصار والحدود ، ويجهزُ الجيوش والعتاد ، ويوسِّع في أمور البلاد ؛ حتى وصل به الأمر أن أصبح هو ( الحاجبُ المنصور ) المعاصر والذي حقق كل ذلك بتوفيق من ربِّه ، ووصوله إلى هدفه بكل السُّبل .
وفي فسْحةٍ من الوقت ، وبعد مُدَّةٍ من الزمن ، تذكر هذا ( الحاجبُ المنصور )سنينه وأيَّامه ، وتذكر كيف كان وماذا أصبحَ الآن ؛ إلاَّ أنه انتفض متذكراً صديقيه ( الحمَّاريْن ) واللذان قضى معهما أوقات الشِّدة والنصب ، فأمر أحد حرسه بالذهاب إلى المكانِ المحددِ وفي الوقت المحدد بالبحث عنهما والاتيان بهما فوراً ، وكان له ذلك .. فانطلق الحرس يجوبون القرى حتى وجدوا ما أمرهم به خليفتهم .
تمثَّل الصَّديقان أمام ( الحاجبُ المنصور )، وعلى وجوههم الدهشة والغرابة ؛ فيما يريده ، إلاَّ أنه قاطع أفكارهما بقوله ( أما زلتم حمَّارين ؟؟ بعدَ كُل هذه السنين ؟؟ ) .. وهم يتخافتون النظر بينهما وفي دهشتهم .. إلاَّ أنه قاطعهم بقوله ( أعرفتماني ؟ ) ، فقالا : كلا !! ، ثم التفت ( الحاجب المنصور ) إلى حاشيته ووزرائه قائلاً لهم : اسمعوا ، فقد كنت أعمل مع هذين ( حمَّارين ) إلى أن جلسنا نتسامر مع بعضنا يوماً فقلت لهما ( إذا أصبحتُ خليفةً ماذا تتمنيا ؟ ) فقال : أحدهما ( أريد حدائق غنّاءة , وماذا بعد ؟ .. قال الرجل : إسطبلاً من الخيل , وماذا بعد , قال الرجل : أريد مائة جارية .. وماذا بعد أيهاالرجل , قال مائة ألف دينار ذهب . ثم ماذا بعد , يكفي ذلك يا أمير المؤمنين ) ثم قال الحاجب المنصور ولك راتبٌ مقطوع ، وأن تدخل علي بدون حاجب ، فأمر له بما أراد .. ثم قال الحاجب المنصور متابعاً لحديثه : ثم التَفَتُّ إلى هذا الرجل ، وقلت له ماذا تتمنى ؟؟ .. إلاَّ أنَّ الرجل قاطع الحاجب قائلاً : اعفني يا أمير المؤمنين .. لكن الحاجب المنصور أصرَّ على أمنيته أن يذكرها أمام الملأ : فقال الرجل : ( إذا أصبحتَ خليفةً فاجعلني على الحمار ووجهي نحو مؤخرةِ الحمار ، وأمر منادياً يقودني بالأروقة قائلاً : أيها النَّاس هذا دجالٌ فلا تقتربوا منه ) .. عندها أمر الحاجب المنصور أن يعطي لكلِّ واحدٍ ما تمنى ،ثم قال حتى تعلموا ( أنَّ الله على كلِّ شئٍ قدير ) .
انتهت القصَّة
والآن أيهُّا الأعِزَّاء تجوَّلنا داخل قصَّةٍ عظيمة ، تدعوا إلى الاجتهاد والطلب ، والوصول إلى الهدف المنشود ، وكان ذلك الرجل الذي ضَربَ أروع المثل في تحقيق هدفه هو الحاجب المنصور ( محمد بن أبي عامر ) مؤسِّس الدولةُ العامرية آنذاك ، فقد أظهر لنا التاريخُ الأمويْ هذه القصَّة ، والتي يتناولها المؤرخون ، وأصحابُ التربيةِ الاجتماعيَّةِ والحياتيةِ ، بأنْ ( لا يأسَ معَ الحياة ) ، وتحقيقُ الأهداف هي بأن ( نفعل شيئاً ) ، نعم فلنفعل شيئاً في حياتنا بقدرِ ما نستطيعه ، بأنْ نُغيِّر عما نحنُ فيه ، وأن نستفيد مما وهبنا الله من إمكانيَّاتٍ ومواهب ، وأن نستعملها لتطوير ذواتنا .
( منقول وبتصرف من عدَّة مراجع )
اسم الموضوع : دفتر الكشكول (2) قصة الحمارين الثلاثة..
|
المصدر : القصة والرواية